الباحث القرآني

﴿قُلْ أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ كَرَّرَ الأمْرَ بِالقَوْلِ لِإبْرازِ كَمالِ العِنايَةِ بِهِ والإشْعارِ بِاخْتِلافِهِما مِن حَيْثُ أنَّ المَقُولَ في الأوَّلِ نَهْيٌ بِطَرِيقِ الرَّدِّ والتَّقْرِيعِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ﴾، وفي الثّانِي أمْرٌ بِطَرِيقِ التَّكْلِيفِ والتَّشْرِيعِ. وإطْلاقُ الطّاعَةِ المَأْمُورِ بِها عَنْ وصْفِ الصِّحَّةِ والإخْلاصِ ونَحْوَهُما بَعْدَ وصْفِ طاعَتِهِمْ بِما ذُكِرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّها لَيْسَتْ مِنَ الطّاعَةِ في شَيْءٍ أصْلًا. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا﴾ خِطابٌ لِلْمَأْمُورِينِ بِالطّاعَةِ مِن جِهَتِهِ تَعالى وارِدٌ لِتَأْكِيدِ الأمْرِ بِها والمُبالَغَةِ في إيجابِ الِامْتِثالِ بِهِ والحَمْلِ عَلَيْهِ بِالتَّرْهِيبِ والتَّرْغِيبِ لِما أنَّ تَغْيِيرَ الكَلامِ المَسُوقِ لِمَعْنًى مِنَ المَعانِي وصَرْفَهُ عَنْ سُنَنِهِ المَسْلُوكِ يُنْبِئُ عَنِ اهْتِمامٍ جَدِيدٍ بِشَأْنِهِ مِنَ المُتَكَلِّمِ ويَسْتَجْلِبُ مَزِيدَ رَغْبَةٍ فِيهِ مِنَ السّامِعِ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ لا سِيَّما إذا كانَ ذَلِكَ بِتَغْيِيرِ الخِطابِ بِالواسِطَةِ إلى الخِطابِ بِالذّاتِ فَإنَّ في خِطابِهِ تَعالى إيّاهم بِالذّاتِ بَعْدَ أمْرِهِ تَعالى إيّاهم بِوَساطَتِهِ ﷺ وتَصَدِّيهِ لِبَيانِ حُكْمِ الِامْتِثالِ بِالأمْرِ والتَّوَلِّي عَنْهُ إجْمالًا وتَفْصِيلًا مِنَ اِفادَةِ ما ذُكِرَ مِنَ التَّأْكِيدِ والمُبالَغَةِ ما لا غايَةَ وراءَهُ وتُوُهِّمَ أنَّهُ داخِلٌ تَحْتِ القَوْلِ المَأْمُورِ بِحِكايَتِهِ مِن جِهَتِهِ تَعالى وأنَّهُ أبْلَغُ في التَّبْكِيتِ تَعْكِيسٌ لِلْأمْرِ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى تَبْلِيغِهِ ﷺ لِلْمَأْمُورِ بِهِ إلَيْهِمْ، وعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ لِلْإيذانِ بِغايَةِ ظُهُورِ مُسارَعَتِهِ ﷺ إلى تَبْلِيغِ ما أُمِرَ بِهِ وعَدَمِ الحاجَةِ إلى الذِّكْرِ، أيْ: إنْ تَتَوَلَّوْا عَنِ الطّاعَةِ إثْرَ ما أُمِرْتُمْ بِها ﴿فَإنَّما عَلَيْهِ﴾ أيْ: فاعْلَمُوا أنَّما عَلَيْهِ ﷺ ﴿ما حُمِّلَ﴾ أيْ: ما أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ وقَدْ شاهَدْتُمُوهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ . ﴿وَعَلَيْكم ما حُمِّلْتُمْ﴾ أيْ: ما أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ الطّاعَةِ ولَعَلَّ التَّعْبِيرَ عَنْهُ بِالتَّحْمِيلِ لِلْإشْعارِ بِثِقَلِهِ وكَوْنِهِ مُؤْنَةً باقِيَةً في عُهْدَتِهِمْ بَعْدُ، كَأنَّهُ قِيلَ: وحَيْثُ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ بَقِيتُمْ تَحْتَ ذَلِكَ الحِمْلِ الثَّقِيلِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما حُمِّلَ﴾ مَحْمُولٌ عَلى المُشاكَلَةِ. ﴿وَإنْ تُطِيعُوهُ﴾ أيْ: فِيما أمَرَكم بِهِ مِنَ الطّاعَةِ ﴿تَهْتَدُوا﴾ إلى الحَقِّ الَّذِي هو المَقْصِدُ الأصْلِيُّ المُوصِلُ إلى كُلِّ خَيْرٍ والمُنَجِّي مِن كُلِّ شَرٍّ. وتَأْخِيرُهُ عَنْ بَيانِ حُكْمِ التَّوَلِّي لِما في تَقْدِيمِ التَّرْهِيبِ مِن تَأْكِيدِ التَّرْغِيبِ وتَقْرِيبِهِ مِمّا هو مِن بابِهِ مِنَ الوَعْدِ الكَرِيمِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما عَلى الرَّسُولِ إلا البَلاغُ المُبِينُ﴾ اعْتِراضٌ مُقَرَّرٌ لِما قَبْلَهُ مِن أنَّ غائِلَةَ التَّوَلِّي وفائِدَةَ الإطاعَةِ مَقْصُورَتانِ عَلَيْهِمْ. واللّامُ إمّا لِلْجِنْسِ المُنْتَظِمِ لَهُ ﷺ (p-190)انْتِظامًا أوَّلِيًّا، أوْ لِلْعَهْدِ، أيْ: ما عَلى جِنْسِ الرَّسُولِ كائِنًا مَن كانَ، أوْ ما عَلَيْهِ ﷺ إلّا التَّبْلِيغُ المُوَضِّحُ لِكُلِّ ما يَحْتاجُ إلى الإيضاحِ أوِ الواضِحُ عَلى أنَّ المُبِينَ مِن أبانَ بِمَعْنى: بانَ، وقَدْ عَلِمْتُمْ أنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ بِما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ وإنَّما بَقِيَ ﴿ما حُمِّلْتُمْ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب