الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ بَيانٌ لِحَكَمِ العَفائِفِ إذا نُسِبْنَ إلى الزِّنا بَعْدَ بَيانِ حُكْمِ الزَّوانِي ويُعْتَبَرُ في الإحْصانِ هَهُنا مَعَ مَدْلُولِهِ الوَضْعِيِّ الَّذِي هو العِفَّةُ عَنِ الزِّنا الحَرِيَّةُ والبُلُوغُ والإسْلامُ. وفي التَّعْبِيرِ عَنِ التَّفَوُّهِ بِما قالُوا في حَقِّهِنَّ بِالرَّمْيِ المُنْبِئِ عَنْ صَلابَةِ الآلَةِ وإيلامِ المَرْمِيِّ، وبُعْدِهِ عَنِ الرّامِي إيذانٌ بِشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ فِيهِنَّ وكَوْنِهِ رَجْمًا بِالغَيْبِ، والمُرادُ بِهِ: رَمْيُهُنَّ بِالزِّنا لا غَيْرَ، وعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ لِلِاكْتِفاءِ بِإيرادِهِنَّ عَقِيبَ الزَّوانِي ووَصْفِهِنَّ بِالإحْصانِ الدّالِّ بِالوَضْعِ عَلى نَزاهَتِهِنَّ عَنِ الزِّنا خاصَّةً فَإنَّ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِكَوْنِ رَمْيِهِنَّ بِهِ لا مَحالَةَ، ولا حاجَةَ في ذَلِكَ إلى الِاسْتِشْهادِ بِاعْتِبارِ الأرْبَعَةِ مِنَ الشُّهَداءِ عَلى أنَّ فِيهِ مُؤْنَةُ بَيانِ تَأخُّرِ نُزُولِ الآيَةِ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً﴾ ولا بِعَدَمِ وُجُوبِ الحَدِّ بِالرَّمْيِ بِغَيْرِ الزِّنا عَلى أنَّ فِيهِ شُبْهَةَ المُصادَرَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: والَّذِينَ يَرْمُونَ العَفائِفَ المُنَـزَّهاتِ عَمّا رُمِينَ بِهِ مِنَ الزِّنا.
﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِنَّ بِما رَمَوْهُنَّ بِهِ. وفي كَلِمَةِ "ثُمَّ" إشْعارٌ بِجَوازِ تَأْخِيرِ الإتْيانِ بِالشُّهُودِ، كَما أنَّ في كَلِمَةِ "لَمْ" إشارَةً إلى تَحْقِيقِ العَجْزِ عَنِ الإتْيانِ بِهِمْ وتُقَرِّرُهُ خَلا أنَّ اجْتِماعَ الشُّهُودِ لا بُدَّ مِنهُ عِنْدَ الأداءِ خِلافًا لِلشّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - فَإنَّهُ جَوَّزَ التَّراخِي بَيْنَ الشَّهاداتِ كَما بَيْنَ الرَّمْيِ والشَّهادَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ أحَدُهم زَوْجَ المَقْذُوفَةِ خِلافًا لَهُ أيْضًا. وقُرِئَ: "بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ" .
﴿فاجْلِدُوهم ثَمانِينَ جَلْدَةً﴾ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وافْتِرائِهِمْ بِعَجْزِهِمْ عَنِ الإتْيانِ بِالشُّهَداءِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ . وانْتِصابُ "ثَمانِينَ" كانْتِصابِ المَصادِرِ، ونَصْبُ "جَلْدَةً" عَلى التَّمْيِيزِ وتَخْصِيصُ رَمْيِهِنَّ بِهَذا الحُكْمِ مَعَ أنَّ حُكْمَ رَمْيِ المُحْصِنِينَ أيْضًا كَذَلِكَ لِخُصُوصِ الواقِعَةِ وشُيُوعِ الرَّمْيِ فِيهِنَّ.
﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهم شَهادَةً﴾ عَطْفٌ عَلى "اجْلِدُوا" داخِلٌ في حُكْمِهِ تَتِمَّةٌ لَهُ لِما فِيهِ مِن مَعْنى الزَّجْرِ لِأنَّهُ مُؤْلِمٌ لِلْقَلْبِ كَما أنَّ الجَلْدَ مُؤْلِمٌ لِلْبَدَنِ، وقَدْ آذى المَقْذُوفَ بِلِسانِهِ فَعُوقِبَ بِإهْدارِ مَنافِعِهِ جَزاءً وِفاقًا. واللّامُ في "لَهُمْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِن شَهادَةً قُدِّمَتْ عَلَيْها لِكَوْنِها نَكِرَةً ولَوْ تَأخَّرَتْ عَنْها لَكانَتْ صِفَةً لَها، وفائِدَتُها تَخْصِيصُ الرَّدِّ بِشَهادَتِهِمُ النّاشِئَةِ عَنْ أهْلِيَّتِهِمُ الثّابِتَةِ لَهم عِنْدَ الرَّمْيِ وهو السِّرُّ في قَبُولِ شَهادَةِ الكافِرِ المَحْدُودِ في القَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ والإسْلامِ لِأنَّها لَيْسَتْ ناشِئَةً عَنْ أهْلِيَّتِهِ السّابِقَةِ بَلْ عَنْ أهْلِيَّةٍ حَدَثَتْ لَهُ بَعْدَ إسْلامِهِ فَلا يَتَناوَلُها الرَّدُّ فَتَدَبَّرْ ودَعْ عَنْكَ ما قِيلَ مِن أنَّ المُسْلِمِينَ لا يَعْبَئُونَ بِسَبَبِ الكُفّارِ فَلا يُلْحَقُ المَقْذُوفَ بِقَذْفِ الكافِرِ مِنَ الشَّيْنِ والشَّنارِ ما يُلْحِقُهُ بِقَذْفِ المُسْلِمِ، فَإنَّ ذَلِكَ بِدُونِ ما مَرَّ مِنَ الِاعْتِبارِ تَعْلِيلٌ في مُقابَلَةِ النَّصِّ ولا يَخْفى حالُهُ، فالمَعْنى: لا تَقْبَلُوا مِنهم شَهادَةً مِنَ الشَّهاداتِ حالَ كَوْنِها (p-158)حاصِلَةً لَهم عِنْدَ الرَّمْيِ ﴿أبَدًا﴾ أيْ: مُدَّةَ حَياتِهِمْ وإنْ تابُوا وأصْلَحُوا لِما عَرَفْتَ مِن أنَّهُ تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، كَأنَّهُ قِيلَ: فاجْلِدُوهم ورُدُّوا شَهادَتِهِمْ، أيْ: فاجْمَعُوا لَهُمُ الجَلْدَ والرَّدَّ فَيَبْقى كَأصْلِهِ.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُقَرَّرٌ لِما قَبْلَهُ ومُبِيِّنٌ لِسُوءِ حالِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وما في اسْمِ الإشارَةِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنـزِلَتِهِمْ في الشَّرِّ والفَسادِ، أيْ: أُولَئِكَ هُمُ المَحْكُومُ عَلَيْهِمْ بِالفِسْقِ والخُرُوجِ عَنِ الطّاعَةِ والتَّجاوُزِ عَنِ الحُدُودِ الكامِلُونَ فِيهِ، كَأنَّهم هُمُ المُسْتَحِقُّونَ لِإطْلاقِ اسْمِ الفاسِقِ عَلَيْهِمْ لا غَيْرُهم مِنَ الفَسَقَةِ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَأۡتُوا۟ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاۤءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِینَ جَلۡدَةࣰ وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدࣰاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق