﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ أيْ: لا تَسْلُكُوا مَسالِكَهُ في كُلِّ ما تَأْتُونَ وما تَذَرُوَنَ مِنَ الأفاعِيلِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها إشاعَةُ الفاحِشَةِ وحُبُّها، وقُرِئَ: "خُطْواتِ" بِسُكُونِ الطّاءِ وبِفَتْحِها أيْضًا.
﴿وَمَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ وُضِعَ الظّاهِرانِ مَوْضِعَ ضَمِيرَيْهِما حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: ومَن يَتْبَعُها، أوْ ومَن يَتْبَعُ خُطُواتِهِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ والمُبالَغَةِ في التَّنْفِيرِ والتَّحْذِيرِ.
﴿فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ عِلَّةٌ لِلْجَزاءِ وُضِعَتْ مَوْضِعَهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَقَدِ ارْتَكَبَ الفَحْشاءَ والمُنْكَرَ لِأنَّهُ دَأْبُهُ المُسْتَمِرُّ أنْ يَأْمُرَ بِهِما فَمَنِ اتَّبَعَ خُطُواتِهِ فَقَدِ امْتَثَلَ بِأمْرِهِ قَطْعًا، والفَحْشاءُ: ما أفْرَطَ قُبْحُهُ كالفاحِشَةِ، والمُنْكَرُ: ما يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ، وضَمِيرُ "إنَّهُ" لِلشَّيْطانِ، وقِيلَ: لِلشَّأْنِ عَلى ما رَأى مَن لا يُوجِبُ عَوْدَ الضَّمِيرِ مِنَ الجُمْلَةِ الجَزائِيَّةِ إلى اسْمِ الشَّرْطِ، أوْ عَلى أنَّ الأصْلَ يَأْمُرُهُ، وقِيلَ: هو عائِدٌ إلى "مَن"، أيْ: فَإنَّ ذَلِكَ المُتَّبَعَ يَأْمُرُ النّاسَ بِهِما لِأنَّ شَأْنَ الشَّيْطانِ هو الإضْلالُ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ يَتَرَقّى مِن رُتْبَةِ الضَّلالِ والفَسادِ إلى رُتْبَةِ الإضْلالِ والإفْسادِ.
﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ بِما مِن جُمْلَتِهِ هاتِيكَ البَياناتُ، والتَّوْفِيقُ لِلتَّوْبَةِ الماحِصَةِ لِلذُّنُوبِ وشَرَعَ الحُدُودَ المُكَفِّرَةَ لَها.
﴿ما زَكا﴾ أيْ: ما طَهُرَ مِن دَنَسِها، وقُرِئَ: "ما زَكّى" بِالتَّشْدِيدِ، أيْ: ما طَهَّرَ اللَّهُ تَعالى.
وَمِن في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِنكُمْ﴾ بَيانِيَّةٌ، وفي قَوْلِهِ (p-165)تَعالى: ﴿مِن أحَدٍ﴾ زائِدَةٌ، و"أحَدٌ" في حَيِّزِ الرَّفْعِ عَلى الفاعِلِيَّةِ عَلى القِراءَةِ الأُولى، وفي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ عَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ.
﴿أبَدًا﴾ لا إلى نِهايَةٍ ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي﴾ يُطَهِّرُ ﴿مَن يَشاءُ﴾ مِن عِبادِهِ بِإضافَةِ آثارِ فَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ عَلى التَّوْبَةِ ثُمَّ قَبُولِها مِنهُ كَما فَعَلَ بِكم.
﴿واللَّهُ سَمِيعٌ﴾ مُبالَغٌ في سَمْعِ الأقْوالِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما أظْهَرُوهُ مِنَ التَّوْبَةِ.
﴿عَلِيمٌ﴾ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها نِيّاتُهم وفِيهِ حَثٌّ لَهم عَلى الإخْلاصِ في التَّوْبَةِ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِلْإيذانِ بِاسْتِدْعاءِ الأُلُوهِيَّةِ لِلسَّمْعِ والعِلْمِ مَعَ ما فِيهِ مِن تَأْكِيدِ اسْتِقْلالِ الِاعْتِراضِ التَّذْيِيلِيِّ.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ وَمَن یَتَّبِعۡ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَإِنَّهُۥ یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدࣰا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"}