الباحث القرآني

﴿حَتّى إذا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ﴾ أيْ: مُتَنَعَّمِيهِمْ، وهُمُ الَّذِينَ أمَدَّهُمُ اللَّهُ تَعالى بِما ذَكَرَ مِنَ المالِ والبَنِينَ. و"حَتّى" مَعَ كَوْنِها غايَةً لِأعْمالِهِمُ المَذْكُورَةِ مَبْدَأٌ لِما بَعْدَها مِن مَضْمُونِ الشَّرْطِيَّةِ، أيْ: لا يَزالُونَ يَعْمَلُونَ أعْمالَهم إلى حَيْثُ إذا أخَذْنا رُؤَساءَهم ﴿بِالعَذابِ﴾ قِيلَ: هو القَتْلُ والأسْرُ يَوْمَ بَدْرٍ، وقِيلَ: هو الجُوعُ الَّذِي أصابَهم حِينَ دَعا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأتَكَ عَلى مُضَرٍ واجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ﴾، فَقُحِطُوا حَتّى أكَلُوا الكِلابَ والجِيَفَ والعِظامَ المُحْرَقَةَ والأوْلادَ. والحَقُّ أنَّهُ العَذابُ الأُخْرَوِيُّ إذْ هو الَّذِي يُفاجِئُونَ عِنْدَهُ الجُؤارَ فَيُجابُونَ بِالرَّدِّ والإقْناطِ عَنِ النَّصْرِ، وأمّا عَذابُ يَوْمِ بَدْرٍ فَلَمْ يُوجَدْ لَهم عِنْدَهُ جُؤارٌ حَسَبَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أخَذْناهم بِالعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وما يَتَضَرَّعُونَ﴾، فَإنَّ المُرادَ بِهَذا العَذابِ ما جَرى عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ القَتْلِ والأسْرِ حَتْمًا. وأمّا عَذابُ الجُوعِ فَإنَّ أبا سُفْيانَ وإنْ تَضَرَّعَ فِيهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِالإقْناطِ، حَيْثُ رُوِيَ أنَّهُ ﷺ قَدْ دَعا بِكَشْفِهِ فَكُشِفَ عَنْهم ذَلِكَ. ﴿إذا هم يَجْأرُونَ﴾ أيْ: فاجَئُوا الصُّراخَ بِالِاسْتِغاثَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإلَيْهِ تَجْأرُونَ﴾، وهو جَوابُ الشَّرْطِ. وتَخْصِيصُ مُتْرَفِيهِمْ بِما ذُكِرَ مِنَ الأخْذِ بِالعَذابِ ومُفاجَأةِ الجُؤارِ مَعَ عُمُومِهِ لِغَيْرِهِمْ أيْضًا لِغايَةِ ظُهُورِ انْعِكاسِ حالِهِمْ وانْتِكاسِ أمْرِهِمْ وكَوْنِ ذَلِكَ أشَقَّ عَلَيْهِمْ ولِأنَّهم مَعَ كَوْنِهِمْ مُتَمَنِّعِينَ مَحْمِيِّينَ بِحِمايَةِ غَيْرِهِمْ مِنَ المَنَعَةِ والحَشَمِ حِينَ لَقُوا ما لَقُوا مِنَ الحالَةِ الفَظِيعَةِ، فَلِأنْ يَلْقاها مَن عَداهم مِنَ الحُماةِ والخَدَمِ أوْلى وأقْدَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب