الباحث القرآني

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ كانُوا مُنْكِرِينَ لِمَجِيءِ العَذابِ المُتَوَعَّدِ بِهِ أشَدَّ الإنْكارِ، وإنَّما كانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ اسْتِهْزاءً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَعْجِيزًا لَهُ عَلى زَعْمِهِمْ، فَحَكى عَنْهم ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّخْطِئَةِ والِاسْتِنْكارِ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ﴾ إمّا جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ جِيءَ بِها لِبَيانِ بُطْلانِ إنْكارِهِمْ لِمَجِيئِهِ في ضِمْنِ اسْتِعْجالِهِمْ بِهِ وإظْهارِخَطَئِهِمْ فِيهِ، كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يُنْكِرُونَ مَجِيءَ العَذابِ المَوْعُودِ والحالُ أنَّهُ تَعالى لا يُخْلِفُ وعْدَهُ أبَدًا وقَدْ سَبَقَ الوَعْدُ فَلابُدَّ مِن مَجِيئِهِ حَتْمًا، أوِ اعْتِراضِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِما ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ إنْ كانَتِ الأُولى حالِيَّةً، ومَعْطُوفَةٌ عَلَيْها إنْ كانَتِ اعْتِراضِيَّةً سِيقَتْ لِبَيانِ (p-112)خَطَئِهِمْ في الِاسْتِعْجالِ المَذْكُورِ بِبَيانِ كَمالِ سَعَةِ ساحَةِ حِلْمِهِ تَعالى ووَقارِهِ وإظْهارِ غايَةِ ضِيقِ عَطْفِهِمُ المُسْتَنْبَعِ لِكَوْنِ المُدَّةِ القَصِيرَةِ عِنْدَهُ تَعالى مُدَدًا طُوالًا عِنْدَهم حَسَبَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ ﴿وَنَراهُ قَرِيبًا﴾، ولِذَلِكَ يَرَوْنَ مَجِيئَهُ بَعِيدًا ويَتَّخِذُونَهُ ذَرِيعَةً إلى إنْكارِهِ ويَجْتَرِئُونَ عَلى الِاسْتِعْجالِ بِهِ ولا يَدْرُونَ أنَّ مِعْيارَ تَقْدِيرِ الأُمُورِ كُلِّها وُقُوعًا وأخْبارًا ما عِنْدَهُ تَعالى مِنَ المِقْدارِ. وقِراءَةُ "يُعِدُّونَ" عَلى صِيغَةِ الغَيْبَةِ، أيْ يُعِدُّهُ المُسْتَعْجِلُونَ أوْفَقُ لِهَذا المَعْنى، وقَدْ جَعَلَ الخِطابَ في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ لَهم أيْضًا بِطَرِيقِ الِالتِفافِ، لَكِنَّ الظّاهِرَ أنَّهُ لِلرَّسُولِ ﷺ ومَن مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وقِيلَ: المُرادُ بِوَعْدِهِ تَعالى ما جُعِلَ لِهَلاكِ كُلِّ أُمَّةٍ مِن مَوْعِدٍ مُعَيَّنٍ وأجَلٌ مُسَمّى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ العَذابُ﴾ فَتَكُونُ الجُمْلَةُ الأُولى حالِيَّةً كانَتْ أوِ اعْتِراضِيَّةً مُبَيِّنَةً لِبُطْلانِ الِاسْتِعْجالِ بِهِ بِبَيانِ اسْتِحالَةِ مَجِيئِهِ قَبْلَ وقْتِهِ المَوْعُودِ، والجُمْلَةُ الأخِيرَةُ بَيانًا لِبُطْلانِهِ بِبَيانِ ابْتِناءٍ عَلى اسْتِطالَةِ ما هو قَصِيرٌ عِنْدَهُ تَعالى عَلى الوَجْهِ الَّذِي مَرَّ بَيانُهُ، فَلا يَكُونُ في النَّظْمِ الكَرِيمِ حِينَئِذٍ تَعَرُّضٌ لِإنْكارِهِمُ الَّذِي دَسُّوهُ تَحْتَ الِاسْتِعْجالِ بَلْ يَكُونُ الجَوابُ مَبْنِيًّا عَلى ظاهِرِ مَقالِهِمْ، ويُكْتَفى في رَدِّ إنْكارِهِمْ بِبَيانِ عاقِبَةِ مَن قَبْلَهم مِن أمْثالِهِمْ هَذا وحَمْلُ المُسْتَعْجَلِ بِهِ عَلى عَذابِ الآخِرَةِ وجَعَلَ اليَوْمَ عِبارَةً عَنْ يَوْمِ العَذابِ المُسْتَطالِ لِشِدَّتِهِ أوْ عَنْ أيّامِ الآخِرَةِ الطَّوِيلَةِ حَقِيقَةً أوِ المُسْتَطالَةِ لِشِدَّةِ عَذابِها مِمّا لا يُساعِدُهُ سِباقُ النَّظْمِ الجَلِيلِ ولا سِياقُهُ، فَإنَّ كُلًّا مِنهُما ناطِقٌ بِأنَّ المُرادَ هو العَذابُ الدُّنْيَوِيُّ وأنَّ الزَّمانَ المُمْتَدَّ هو الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ حُلُولِهِ بِطَرِيقِ الإمْلاءِ والإمْهالِ لا الزَّمانِ المُقارَنِ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب