الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ أمّا حالٌ أُخْرى مِنهُ، أوْ مِن واوِ "يَلْعَبُونَ"، والمَعْنى: ما يَأْتِيهِمْ ذِكْرٍ مِن رَّبِّهِمْ مُحْدَثٍ في حالٍ مِنِ الأحْوالِ إلّا حالَ اسْتِماعِهِمْ إيّاهُ لاعِبِينَ مُسْتَهْزِئِينَ بِهِ لاهِينَ عَنْهُ أوْ لاعِبِينَ بِهِ حالَ كَوْنِ قُلُوبِهِمْ لاهِيَةً عَنْهُ لِتَناهِي غَفْلَتِهِمْ وفَرْطِ إعْراضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ في الأُمُورِ والتَّفَكُّرِ في العَواقِبِ. وقُرِئَ: "لاهِيَةٌ" بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. ﴿وَأسَرُّوا النَّجْوى﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ جِناياتِهِمْ خاصَّةً إثْرَ حِكايَةِ جِناياتِهِمُ المُعْتادَةِ، والنَّجْوى: اسْمٌ مِنَ التَّناجِي، ومَعْنى إسْرارِها مَعَ أنَّها لا تَكُونُ إلّا سِرًّا أنَّهم بالَغُوا في إخْفائِها، أوْ أسَرُّوا نَفْسَ التَّناجِي بِحَيْثُ لَمْ يَشْعُرُ أحَدٌ بِأنَّهم مُتَناجُونَ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بَدَلٌ مِن واوِ "أسَرُّوا" مُنْبِئٌ عَنْ كَوْنِهِمْ مَوْصُوفِينَ بِالظُّلْمِ الفاحِشِ فِيما أسَرُّوا بِهِ، أوْ هو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أسَرُّوا النَّجْوى قُدِّمَ عَلَيْهِ اهْتِمامًا بِهِ، والمَعْنى: هم أسَرُّوا النَّجْوى، فَوُضِعَ المَوْصُولُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ تَسْجِيلًا عَلى فِعْلِهِمْ بِكَوْنِهِ ظُلْمًا، أوْ مَنصُوبٌ عَلى الذَّمِّ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ هَذا إلا بَشَرٌ مِثْلُكم ...﴾ إلَخَ في حَيِّزِ النَّصْبِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لِقَوْلٍ مُضْمَرٍ هو جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ نَشَأ عَمّا قَبْلَهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: ماذا قالُوا في نَجْواهم ؟ فَقِيلَ: قالُوا هَلْ هَذا ... إلَخَ، أوْ بَدَلٌ مِن أسَرُّوا أوْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، أوْ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوى، أيْ: أسَرُّوا هَذا الحَدِيثَ. و"هَلْ" بِمَعْنى النَّفْيِ. والهَمْزَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَتَأْتُونَ السحر﴾ لِلْإنْكارِ والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ حالٌ مِن فاعِلِ "تَأْتُونَ" مُقَرِّرَةٌ لِلْإنْكارِ ومُؤَكِّدَةٌ لِلِاسْتِبْعادِ، والمَعْنى: ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم، أيْ: مِن جِنْسِكم، وما أتى بِهِ سِحْرٌ أتَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَتَأْتُونَهُ وتُحْضِرُونَهُ عَلى وجْهِ الإذْعانِ والقَبُولِ وأنْتُمْ تُعايِنُونَ أنَّهُ سِحْرٌ، قالُوهُ بِناءً عَلى ما ارْتَكَزَ في اعْتِقادِهِمُ الزّائِغِ أنَّ الرَّسُولَ لا يَكُونُ إلّا مَلَكًا، وأنَّ كُلَّ ما يَظْهَرُ عَلى يَدِ البَشَرِ مِنَ الخَوارِقِ مِن قَبِيلِ السحر، وزَلَّ عَنْهم أنَّ إرْسالَ البَشَرِ إلى عامَّةِ البَشَرِ هو الَّذِي تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أنّى يُؤْفَكُونَ. وإنَّما أسَرُّوا ذَلِكَ لِأنَّهُ كانَ عَلى طَرِيقِ تَوْثِيقٍ العَهْدِ وتَرْتِيبِ مَبادِئِ الشَّرِّ والفَسادِ وتَمْهِيدِ مُقَدِّماتِ المَكْرِ والكَيْدِ في هَدْمِ أمْرِ النُّبُوَّةِ وإطْفاءِ نُورِ الدِّينِ، واللَّهُ (p-55)مُتِمٌّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب