الباحث القرآني

﴿وَلَتَجِدَنَّهم أحْرَصَ النّاسِ﴾؛ مِنَ الوِجْدانِ العَقْلِيِّ؛ وهو جارٍ مُجْرى العِلْمِ؛ خَلا أنَّهُ مُخْتَصٌّ بِما يَقَعُ بَعْدَ التَّجْرِبَةِ؛ ونَحْوِها؛ ومَفْعُولاهُ الضَّمِيرُ؛ و"أحْرَصَ"؛ والتَّنْكِيرُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿عَلى حَياةٍ﴾ لِلْإيذانِ بِأنَّ مُرادَهم نَوْعٌ خاصٌّ مِنها؛ وهي الحَياةُ المُتَطاوِلَةُ؛ وقُرِئَ بِالتَّعْرِيفِ. ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾: عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ؛ بِحَسَبِ المَعْنى؛ كَأنَّهُ قِيلَ: أحْرَصَ مِنَ النّاسِ؛ ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا؛ وإفْرادُهم بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمْ في النّاسِ لِلْإيذانِ بِامْتِيازِهِمْ مِن بَيْنِهِمْ بِشِدَّةِ الحِرْصِ؛ لِلْمُبالَغَةِ في تَوْبِيخِ اليَهُودِ؛ فَإنَّ حِرْصَهم وهم مُعْتَرِفُونَ بِالجَزاءِ - لَمّا كانَ أشَدَّ مِن حِرْصِ المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ لَهُ - دَلَّ ذَلِكَ عَلى جَزْمِهِمْ بِمَصِيرِهِمْ إلى النّارِ؛ ويَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ عَلى حَذْفِ المَعْطُوفِ؛ ثِقَةً بِإنْباءِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ عَنْهُ؛ أيْ: و"أحْرَصَ مِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا"؛ فَقَوْلُهُ (تَعالى): (p-133)﴿يَوَدُّ أحَدُهُمْ﴾: بَيانٌ لِزِيادَةِ حِرْصِهِمْ؛ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِئْنافِ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في حَيِّزِ الرَّفْعِ؛ صِفَةً لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ؛ خَبَرُهُ الظَّرْفُ المُتَقَدِّمُ؛ عَلى أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالمُشْرِكِينَ: اليَهُودُ؛ لِقَوْلِهِمْ: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾؛ أيْ: ومِنهم طائِفَةٌ يَوَدُّ أحَدُهم أيُّهم كانَ؛ أيْ: كُلُّ واحِدٍ مِنهُمْ؛ ﴿لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَةٍ﴾؛ وهو حِكايَةٌ لِوِدادَتِهِمْ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: لَيْتَنِي أُعَمَّرُ؛ وإنَّما أُجْرِيَ عَلى الغَيْبَةِ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿يَوَدُّ﴾؛ كَما تَقُولُ: حَلَفَ بِاللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ؛ ومَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولُ "يَوَدُّ"؛ إجْراءً لَهُ مُجْرى القَوْلِ؛ لِأنَّهُ فِعْلٌ قَلْبِيٌّ؛ ﴿وَما هو بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذابِ﴾: "ما" حِجازِيَّةٌ؛ والضَّمِيرُ العائِدُ عَلى "أحَدُهُمْ" اسْمُها؛ و"بِمُزَحْزِحِهِ": خَبَرُها؛ والباءُ زائِدَةٌ؛ ﴿أنْ يُعَمَّرَ﴾: فاعِلُ "مُزَحْزِحِهِ"؛ أيْ: وما أحَدُهم بِمَن يُزَحْزِحُهُ؛ أيْ: يُبْعِدُهُ؛ ويُنْجِيهِ مِنَ العَذابِ تَعْمِيرُهُ؛ وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِما دَلَّ عَلَيْهِ "يُعَمَّرُ"؛ مِنَ المَصْدَرِ؛ و"أنْ يُعَمَّرَ": بَدَلٌ مِنهُ؛ وقِيلَ: هو مُبْهَمٌ؛ و"أنْ يُعَمَّرَ": مُفَسِّرُهُ؛ والجُمْلَةُ حالٌ مِن "أحَدُهُمْ"؛ والعامِلُ "يَوَدُّ"؛ لا "يُعَمَّرُ"؛ عَلى أنَّها حالٌ مِن ضَمِيرِهِ لِفَسادِ المَعْنى؛ أوِ اعْتِراضٌ؛ وأصْلُ "سَنَةٌ": "سَنَوَةٌ"؛ لِقَوْلِهِمْ: "سَنَواتٌ"؛ و"سِنِيَّةٌ"؛ وقِيلَ: "سَنْهَةٌ"؛ كَـ "جَبْهَةٌ"؛ لِقَوْلِهِمْ: "سانَهْتُهُ" و"سُنَيْهَةٌ"؛ و"تَسَنَّهَتِ النَّخْلَةُ"؛ إذا أتَتْ عَلَيْها السُّنُونُ. ﴿واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾: البَصِيرُ في كَلامِ العَرَبِ: العالِمُ بِكُنْهِ الشَّيْءِ؛ الخَبِيرُ بِهِ؛ ومِنهُ قَوْلُهُمْ: فُلانٌ بَصِيرٌ بِالفِقْهِ؛ أيْ: عَلِيمٌ بِخَفِيّاتِ أعْمالِهِمْ؛ فَهو مُجازِيهِمْ بِها لا مَحالَةَ؛ وقُرِئَ بِتاءِ الخِطابُ التِفاتًا؛ وفِيهِ تَشْدِيدٌ لِلْوَعِيدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب