الباحث القرآني
﴿يُخادِعُونَ اللَّهَ والَّذِينَ آمَنُوا﴾: بَيانٌ لِـ "يَقُولُ"؛ وتَوْضِيحٌ لِما هو غَرَضُهم مِمّا يَقُولُونَ؛ أوِ اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الذِّهْنُ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: ما لَهم يَقُولُونَ ذَلِكَ وهم غَيْرُ مُؤْمِنِينَ؟ فَقِيلَ: يُخادِعُونَ اللَّهَ؛ إلَخْ.. أيْ: يَخْدَعُونَ؛ وقَدْ قُرِئَ كَذَلِكَ؛ وإيثارُ صِيغَةِ المُفاعَلَةِ لِإفادَةِ المُبالَغَةِ في الكَيْفِيَّةِ؛ فَإنَّ الفِعْلَ مَتى غُولِبَ فِيهِ بُولِغَ فِيهِ قَطْعًا؛ أوْ في الكِمِّيَّةِ؛ كَما في المُمارَسَةِ والمُزاوَلَةِ؛ فَإنَّهم كانُوا مُداوِمِينَ عَلى الخَدْعِ؛ والخَدْعُ: أنْ يُوهِمَ صاحِبَهُ خِلافَ ما يُرِيدُ بِهِ مِنَ المَكْرُوهِ؛ لِيُوقِعَهُ فِيهِ؛ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ؛ أوْ يُوهِمَهُ المُساعَدَةَ عَلى ما يُرِيدُ هو بِهِ لِيَغْتَرَّ بِذَلِكَ فَيَنْجُوَ مِنهُ بِسُهُولَةٍ؛ مِن قَوْلِهِمْ: ضَبٌّ خادِعٌ؛ وخُدَعٌ؛ وهو الَّذِي إذا أمَرَّ الحارِشُ يَدَهُ عَلى بابِ جُحْرِهِ يُوهِمُهُ الإقْبالَ عَلَيْهِ؛ فَيَخْرُجُ مِن بابِهِ الآخَرِ؛ وكِلا المَعْنَيَيْنِ مُناسِبٌ لِلْمَقامِ؛ فَإنَّهم كانُوا يُرِيدُونَ بِما صَنَعُوا أنْ يَطَّلِعُوا عَلى أسْرارِ المُؤْمِنِينَ فَيُذِيعُوها إلى المُنابِذِينَ؛ وأنْ يَدْفَعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ ما يُصِيبُ سائِرَ (p-41)
الكَفَرَةِ؛ وأيًّا ما كانَ فَنِسْبَتُهُ إلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ - إمّا عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ والتَّمْثِيلِ لِإفادَةِ كَمالِ شَناعَةِ جِنايَتِهِمْ؛ أيْ يُعامَلُونَ مُعامَلَةَ الخادِعِينَ؛ وإمّا عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ العَقْلِيِّ بِأنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ (تَعالى) ما حَقُّهُ أنْ يُنْسَبَ إلى الرَّسُولِ ﷺ إبانَةً لِمَكانَتِهِ عِنْدَهُ (تَعالى)؛ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهَ فَوْقَ أيْدِيهِمْ﴾؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾؛ مَعَ إفادَةِ كَمالِ الشَّناعَةِ؛ كَما مَرَّ؛ وإمّا لِمُجَرَّدِ التَّوْطِئَةِ والتَّمْهِيدِ لِما بَعْدَهُ؛ مِن نِسْبَتِهِ إلى الَّذِينَ آمَنُوا؛ والإيذانِ بِقُوَّةِ اخْتِصاصِهِمْ بِهِ تَعالى؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿واللَّهُ ورَسُولُهُ أحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ﴾؛ وقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾؛ وإبْقاءُ صِيغَةِ المُخادَعَةِ عَلى مَعْناها الحَقِيقِيِّ بِناءً عَلى زَعْمِهِمِ الفاسِدِ؛ وتَرْجَمَةً عَنِ اعْتِقادِهِمُ الباطِلِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: يَزْعُمُونَ أنَّهم يَخْدَعُونَ اللَّهَ؛ واللَّهُ يَخْدَعُهُمْ؛ أوْ عَلى جَعْلِها اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً؛ أوْ تَمْثِيلًا لِما أنَّ صُورَةَ صُنْعِهِمْ مَعَ اللَّهِ (تَعالى)؛ والمُؤْمِنِينَ؛ وصُنْعِهِ (تَعالى) مَعَهم بِإجْراءِ أحْكامِ الإسْلامِ عَلَيْهِمْ؛ وهم عِنْدَهُ أخْبَثُ الكَفَرَةِ؛ وأهْلُ الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ؛ اسْتِدْراجًا لَهُمْ؛ وامْتِثالُ الرَّسُولِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ بِأمْرِ اللَّهِ (تَعالى) في ذَلِكَ مُجازاةً لَهم بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ صُورَةَ صَنِيعِ المُتَخادِعِينَ؛ كَما قِيلَ؛ مِمّا لا يَرْتَضِيهِ الذَّوْقُ السَّلِيمُ؛ أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّ المُنافِقِينَ لَوِ اعْتَقَدُوا أنَّ اللَّهَ (تَعالى) يَخْدَعُهم بِمُقابَلَةِ خَدْعِهِمْ لَهُ؛ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنهُمُ التَّصَدِّي لِلْخَدْعِ؛ وأمّا الثّانِي فَلِأنَّ مُقْتَضى المَقامِ إيرادُ حالِهِمْ خاصَّةً؛ وتَصْوِيرُها بِما يَلِيقُ بِها مِنَ الصُّورَةِ المُسْتَهْجَنَةِ؛ وبَيانِ غائِلَتِها؛ آيِلَةً إلَيْهِمْ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ؛ كَما يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما يَخْدَعُونَ إلا أنْفُسَهُمْ﴾؛ فالتَّعَرُّضُ لِحالِ الجانِبِ الآخَرِ مِمّا يُخِلُّ بِتَوْفِيَةِ المَقامِ حَقَّهُ؛ وهو حالٌ مِن ضَمِيرِ "يُخادِعُونَ"؛ أيْ: يَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ والحالُ أنَّهم ما يَضُرُّونَ بِذَلِكَ إلّا أنْفُسَهُمْ؛ فَإنَّ دائِرَةَ فِعْلِهِمْ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِمْ؛ أوْ ما يَخْدَعُونَ حَقِيقَةً إلّا أنْفُسَهُمْ؛ حَيْثُ يُغْرُونَها بِالأكاذِيبِ؛ فَيُلْقُونَها في مَهاوِي الرَّدى؛ وقُرِئَ: "وَما يُخادِعُونَ"؛ والمَعْنى هو المَعْنى؛ ومَن حافَظَ عَلى الصِّيغَةِ فِيما قَبْلُ قالَ: وما يُعامَلُونَ تِلْكَ المُعامَلَةَ الشَّبِيهَةَ بِمُعامَلَةِ المُخادِعِينَ إلّا أنْفُسَهُمْ؛ لِأنَّ ضَرَرَها لا يَحِيقُ إلّا بِهِمْ؛ أوْ: ما يُخادِعُونَ حَقِيقَةً إلّا أنْفُسَهُمْ؛ حَيْثُ يُمَنُّونَها الأباطِيلَ؛ وهي أيْضًا تَغُرُّهم وتُمَنِّيهِمُ الأمانِيَّ الفارِغَةَ؛ وقُرِئَ: "وَما يُخَدَّعُونَ"؛ مِنَ التَّخْدِيعِ؛ و"ما يُخَدِّعُونَ"؛ أيْ: يَخْتَدِعُونَ؛ و"يُخْدَعُونَ"؛ و"يُخادَعُونَ"؛ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ؛ ونَصْبُ "أنْفُسَهُمْ" بِنَزْعِ الخافِضِ؛ والنَّفْسُ: ذاتُ الشَّيْءِ؛ وحَقِيقَتُهُ؛ وقَدْ يُقالُ: لِلرُّوحِ؛ لِأنَّ نَفْسَ الحَيِّ بِهِ؛ ولِلْقَلْبِ أيْضًا؛ لِأنَّهُ مَحَلُّ الرُّوحِ؛ أوْ مُتَعَلِّقُهُ؛ ولِلدَّمِ أيْضًا؛ لِأنَّ قِوامَها بِهِ؛ ولِلْماءِ أيْضًا؛ لِشِدَّةِ حاجَتِها إلَيْهِ؛ والمُرادُ هُنا هو المَعْنى الأوَّلُ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ بَيانُ أنَّ ضَرَرَ مُخادَعَتِهِمْ راجِعٌ إلَيْهِمْ؛ لا يَتَخَطّاهم إلى غَيْرِهِمْ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَما يَشْعُرُونَ﴾؛ حالٌ مِن ضَمِيرِ "ما يَخْدَعُونَ"؛ أيْ: يَقْتَصِرُونَ عَلى خَدْعِ أنْفُسِهِمْ؛ والحالُ أنَّهم ما يَشْعُرُونَ؛ أيْ: ما يُحِسُّونَ بِذَلِكَ؛ لِتَمادِيهِمْ في الغَوايَةِ؛ وحَذْفُ المَفْعُولِ إمّا لِظُهُورِهِ؛ أوْ لِعُمُومِهِ؛ أيْ: ما يَشْعُرُونَ بِشَيْءٍ أصْلًا؛ جُعِلَ لُحُوقُ وبالِ ما صَنَعُوا بِهِمْ في الظُّهُورِ بِمَنزِلَةِ الأمْرِ المَحْسُوسِ؛ الَّذِي لا يَخْفى إلّا عَلى مَؤُوفِ الحَواسِّ؛ مُخْتَلِّ المَشاعِرِ.
{"ayah":"یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَمَا یَخۡدَعُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق