الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: أيْ بِألْسِنَتِهِمْ فَقَطْ؛ وهُمُ المُنافِقُونَ؛ بِقَرِينَةِ انْتِظامِهِمْ في سِلْكِ الكَفَرَةِ؛ والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِذَلِكَ؛ دُونَ عُنْوانِ النِّفاقِ؛ لِلتَّصْرِيحِ بِأنَّ تِلْكَ المَرْتَبَةَ - وإنْ عُبِّرَ عَنْها بِالإيمانِ - لا تُجْدِيهِمْ نَفْعًا أصْلًا؛ ولا تُنْقِذُهم مِن ورْطَةِ الكُفْرِ قَطْعًا؛ ﴿والَّذِينَ هادُوا﴾: أيْ تَهَوَّدُوا؛ مِن "هادَ"؛ إذا دَخَلَ في اليَهُودِيَّةِ؛ و"يَهُودٌ": إمّا عَرَبِيٌّ؛ مِن "هادَ"؛ إذا تابَ؛ سُمُّوا بِذَلِكَ حِينَ تابُوا مِن عِبادَةِ العِجْلِ؛ وخُصُّوا بِهِ لَمّا كانَتْ تَوْبَتُهم هائِلَةً؛ وإمّا مُعَرَّبُ "يَهُوذا"؛ كَأنَّهم سُمُّوا بِاسْمِ أكْبَرِ أوْلادِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ ﴿والنَّصارى﴾: جَمْعُ "نَصْرانُ"؛ كَـ "نَدامى"؛ جَمْعُ "نَدْمانُ"؛ يُقالُ: رَجُلٌ "نَصْرانُ"؛ وامْرَأةٌ نَصْرانَةٌ؛ والياءُ في "نَصْرانِيٌّ" لِلْمُبالَغَةِ؛ كَما في "أحْمَرِيٌّ"؛ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأنَّهم نَصَرُوا المَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ أوْ لِأنَّهُمُ كانُوا مَعَهُ في قَرْيَةٍ؛ يُقالُ لَها "نَصْرانُ"؛ فَسُمُّوا بِاسْمِها؛ أوْ نُسِبُوا إلَيْها؛ والياءُ لِلنِّسْبَةِ؛ وقالَ الخَلِيلُ: واحِدُ "النَّصارى": "نَصْرِيٌّ"؛ كَـ "مَهْرِيٌّ"؛ و"مَهارى"؛ ﴿والصّابِئِينَ﴾ هم قَوْمٌ بَيْنَ النَّصارى؛ والمَجُوسِ؛ وقِيلَ: أصْلُ دِينِهِمْ دِينُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ وقِيلَ: هم عَبَدَةُ المَلائِكَةِ؛ وقِيلَ: عَبَدَةُ الكَواكِبِ؛ فَهو إنْ كانَ عَرَبِيًّا فَمِن "صَبَأ"؛ إذا خَرَجَ مِن دِينٍ إلى آخَرَ؛ وقُرِئَ بِالياءِ؛ إمّا لِلتَّخْفِيفِ؛ وإمّا لِأنَّهُ مِن "صَبا"؛ إذا مالَ؛ لِما أنَّهم مالُوا مِن سائِرِ الأدْيانِ إلى ما هم فِيهِ؛ أوْ مِنَ الحَقِّ إلى الباطِلِ؛ ﴿مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾: أيْ: مَن أحْدَثَ مِن هَذِهِ الطَّوائِفِ إيمانًا خالِصًا بِالمَبْدَإ والمَعادِ؛ عَلى الوَجْهِ اللّائِقِ؛ ﴿وَعَمِلَ﴾؛ عَمَلًا؛ ﴿صالِحًا﴾: حَسْبَما يَقْتَضِيهِ الإيمانُ بِما ذُكِرَ؛ ﴿فَلَهُمْ﴾؛ بِمُقابَلَةِ ذَلِكَ؛ ﴿أجْرُهُمْ﴾؛ المَوْعُودُ لَهُمْ؛ ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: أيْ: مالِكِ أمْرِهِمْ؛ ومُبَلِّغِهِمْ إلى كَمالِهِمُ اللّائِقِ؛ فَـ "مَن": إمّا في مَحَلِّ الرَّفْعِ؛ عَلى الِابْتِداءِ؛ خَبَرُهُ جُمْلَةُ "فَلَهم أجْرُهُمْ"؛ والفاءُ لِتَضَمُّنِ المَوْصُولِ مَعْنى الشَّرْطِ؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ﴾؛ الآيَةِ.. وجَمْعُ الضَّمائِرِ الثَّلاثَةِ بِاعْتِبارِ مَعْنى المَوْصُولِ؛ كَما أنَّ إفْرادَ ما في الصِّلَةِ بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ؛ والجُمْلَةُ - كَما هي - خَبَرُ "إنَّ"؛ والعائِدُ إلى اسْمِها مَحْذُوفٌ؛ أيْ: "مَن آمَنَ مِنهم..." إلَخْ.. وإمّا في مَحَلِّ النَّصْبِ؛ عَلى البَدَلِيَّةِ مِنَ اسْمِ "إنَّ"؛ وما عُطِفَ عَلَيْهِ؛ وخَبَرُها "فَلَهم أجْرُهُمْ"؛ و"عِنْدَ": مُتَعَلِّقٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ "لَهُمْ"؛ مِن مَعْنى الثُّبُوتِ؛ وفي إضافَتِهِ إلى الرَّبِّ؛ المُضافِ إلى ضَمِيرِهِمْ؛ مَزِيدُ لُطْفٍ بِهِمْ؛ وإيذانٌ بِأنَّ أجْرَهم مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ؛ مَأْمُونٌ مِنَ الفَواتِ؛﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ "فَلَهم أجْرُهُمْ"؛ أيْ: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حِينَ يَخافُ الكُفّارُ العِقابَ؛ ﴿وَلا هم يَحْزَنُونَ﴾؛ حِينَ يَحْزَنُ المُقَصِّرُونَ؛ عَلى تَضْيِيعِ العُمْرِ؛ وتَفْوِيتِ الثَّوابِ؛ والمُرادُ بَيانُ دَوامِ انْتِفائِهِما؛ لا بَيانُ انْتِفاءِ دَوامِهِما؛ كَما يُوهِمُهُ كَوْنُ الخَبَرِ في الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ مُضارِعًا؛ لِما مَرَّ مِن أنَّ النَّفْيَ - وإنْ دَخَلَ عَلى نَفْسِ المُضارِعِ - يُفِيدُ الدَّوامَ؛ والِاسْتِمْرارَ؛ بِحَسَبِ المَقامِ؛ هَذا.. وقَدْ قِيلَ: المُرادُ بِـ "الَّذِينَ آمَنُوا": المُتَدَيِّنُونَ بِدِينِ الإسْلامِ؛ المُخْلِصُونَ مِنهم والمُنافِقُونَ؛ فَحِينَئِذٍ لا بُدَّ مِن تَفْسِيرِ "مَن آمَنَ"؛ بِـ "مَنِ اتَّصَفَ مِنهم بِالإيمانِ الخالِصِ بِالمَبْدَإ والمَعادِ"؛ عَلى الإطْلاقِ؛ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الثَّباتِ والدَّوامِ عَلَيْهِ؛ كَإيمانِ المُخْلِصِينَ؛ أوْ بِطَرِيقِ إحْداثِهِ وإنْشائِهِ؛ كَإيمانِ مَن عَداهم مِنَ المُنافِقِينَ؛ وسائِرِ الطَّوائِفِ؛ وفائِدَةُ التَّعْمِيمِ لِلْمُخْلِصِينَ مَزِيدُ تَرْغِيبِ الباقِينَ في الإيمانِ بِبَيانِ أنَّ تَأْخِيرَهم (p-109)فِي الِاتِّصافِ بِهِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِكَوْنِهِمْ أُسْوَةً لِأُولَئِكَ الأقْدَمِينَ؛ في اسْتِحْقاقِ الأجْرِ؛ وما يَتْبَعُهُ مِنَ الأمْنِ الدّائِمِ؛ وأمّا ما قِيلَ في تَفْسِيرِهِ "مَن كانَ مِنهم في دِينِهِ قَبْلَ أنْ يُنْسَخَ؛ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ بِالمَبْدَإ والمَعادِ؛ عامِلًا بِمُقْتَضى شَرْعِهِ"؛ فَمِمّا لا سَبِيلَ إلَيْهِ أصْلًا؛ لِأنَّ مُقْتَضى المَقامِ هو التَّرْغِيبُ في دِينِ الإسْلامِ؛ وأمّا بَيانُ حالِ مَن مَضى عَلى دِينٍ آخَرَ قَبْلَ انْتِساخِهِ؛ فَلا مُلابَسَةَ لَهُ بِالمَقامِ قَطْعًا؛ بَلْ رُبَّما يُخِلُّ بِمُقْتَضاهُ مِن حَيْثُ دَلالَتُهُ عَلى حَقِّيَّتِهِ في زَمانِهِ في الجُمْلَةِ؛ عَلى أنَّ المُنافِقِينَ؛ والصّابِئِينَ؛ لا يَتَسَنّى في حَقِّهِمْ ما ذُكِرَ؛ أمّا المُنافِقُونَ؛ فَإنْ كانُوا مِن أهْلِ الشِّرْكِ فالأمْرُ بَيِّنٌ؛ وإنْ كانُوا مِن أهْلِ الكِتابِ فَمَن مَضى مِنهم قَبْلَ النَّسْخِ لَيْسُوا بِمُنافِقِينَ؛ وأمّا الصّابِئُونَ فَلَيْسَ لَهم دِينٌ يَجُوزُ رِعايَتُهُ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ؛ ولَوْ سُلِّمَ أنَّهُ كانَ لَهم دِينٌ سَماوِيٌّ؛ ثُمَّ خَرَجُوا عَنْهُ؛ فَمَن مَضى مِن أهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ؛ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ مِنهُ؛ فَلَيْسُوا مِنَ الصّابِئِينَ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُ إرْجاعُ الضَّمِيرِ الرّابِطِ بَيْنَ اسْمِ "إنَّ" وخَبَرِها إلَيْهِمْ؛ أوْ إلى المُنافِقِينَ؛ وارْتِكابُ إرْجاعِهِ إلى مَجْمُوعَةِ الطَّوائِفِ مِن حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ؛ لا إلى كُلِّ واحِدَةٍ مِنها؛ قَصْدًا إلى دَرْجِ الفَرِيقِ المَذْكُورِ فِيهِ؛ ضَرُورَةَ أنَّ مَن كانَ مِن أهْلِ الكِتابِ عامِلًا بِمُقْتَضى شَرْعِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ؛ مِن مَجْمُوعِ الطَّوائِفِ؛ بِحُكْمِ اشْتِمالِهِ عَلى اليَهُودِ؛ والنَّصارى؛ وإنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ المُنافِقِينَ؛ والصّابِئِينَ؛ مِمّا يَجِبُ تَنْزِيهُ ساحَةِ التَّنْزِيلِ عَنْ أمْثالِهِ؛ عَلى أنَّ المُخْلِصِينَ - مَعَ انْدِراجِهِمْ في حَيِّزِ اسْمِ "إنَّ" - لَيْسَ لَهم في حَيِّزِ خَبَرِها عَيْنٌ؛ ولا أثَرٌ؛ فَتَأمَّلْ؛ وكُنْ عَلى الحَقِّ المُبِينِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











