الباحث القرآني
﴿وَقُلْنا﴾: شُرُوعٌ في حِكايَةِ ما جَرى بَيْنَهُ (تَعالى)؛ وبَيْنَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ بَعْدَ تَمامِ ما جَرى بَيْنَهُ (تَعالى)؛ وبَيْنَ المَلائِكَةِ؛ وإبْلِيسَ؛ مِنَ الأقْوالِ؛ والأفْعالِ؛ وقَدْ تُرِكَتْ حِكايَةُ تَوْبِيخِ إبْلِيسَ؛ وجَوابِهِ؛ ولَعْنِهِ؛ واسْتِظْهارِهِ؛ وإنْظارِهِ؛ اجْتِزاءً بِما فُصِّلَ في سائِرِ السُّوَرِ الكَرِيمَةِ؛ وهو عَطْفٌ عَلى "قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ"؛ ولا يَقْدَحُ في ذَلِكَ اخْتِلافُ وقْتَيْهِما؛ فَإنَّ المُرادَ بِالزَّمانِ - المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ "إذْ" - زَمانٌ مُمْتَدٌّ؛ واسِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ؛ وقِيلَ: هو عَطْفٌ عَلى "إذْ قُلْنا"؛ بِإضْمارِ "إذْ"؛ وهَذا تَذْكِيرٌ لِنِعْمَةٍ أُخْرى مُوجِبَةٍ لِلشُّكْرِ؛ مانِعَةٍ مِنَ الكُفْرِ. وتَصْدِيرُ الكَلامِ بِالنِّداءِ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿يا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلى الِاهْتِمامِ بِتَلَقِّي المَأْمُورِ بِهِ. وتَخْصِيصُ أصْلِ الخِطابِ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِلْإيذانِ بِأصالَتِهِ؛ في مُباشَرَةِ المَأْمُورِ بِهِ. و"اسْكُنْ": مِن "السُّكْنى"؛ وهو اللُّبْثُ؛ والإقامَةُ؛ والِاسْتِقْرارُ؛ دُونَ السُّكُونِ الَّذِي هو ضِدُّ الحَرَكَةِ. و"أنْتَ": ضَمِيرٌ أُكِّدَ بِهِ المُسْتَكِنُّ؛ لِيَصِحَّ العَطْفُ عَلَيْهِ؛ واخْتُلِفَ في وقْتِ خَلْقِ زَوْجِهِ؛ فَذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وابْنِ عَبّاسٍ؛ وناسٍ مِنَ الصَّحابَةِ - رِضْوانُ اللَّهِ (تَعالى) عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - أنَّ اللَّهَ (تَعالى) لَمّا أخْرَجَ إبْلِيسَ مِنَ الجَنَّةِ؛ وأسْكَنَها آدَمَ؛ بَقِيَ فِيها وحْدَهُ؛ وما كانَ مَعَهُ مَن يَسْتَأْنِسُ بِهِ؛ فَألْقى اللَّهُ (تَعالى) عَلَيْهِ النَّوْمَ؛ ثُمَّ أخَذَ ضِلْعًا مِن جانِبِهِ الأيْسَرِ؛ ووَضَعَ مَكانَهُ لَحْمًا؛ وخَلَقَ حَوّاءَ مِنهُ؛ فَلَمّا اسْتَيْقَظَ وجَدَها عِنْدَ رَأْسِهِ قاعِدَةً؛ فَسَألَها: ما أنْتِ؟ قالَتْ: امْرَأةٌ؛ قالَ: ولِمَ خُلِقْتِ؟ قالَتْ: لِتَسْكُنَ إلَيَّ؛ فَقالَتِ المَلائِكَةُ - تَجْرِبَةً لِعِلْمِهِ -: مَن هَذِهِ؟ قالَ: امْرَأةٌ؛ قالُوا: لِمَ سُمِّيَتِ امْرَأةً؟ قالَ: لِأنَّها مِنَ المَرْءِ أُخِذَتْ؛ فَقالُوا: ما اسْمُها؟ قالَ: حَوّاءُ؛ قالُوا: لِمَ سُمِّيَتْ حَوّاءَ؟ قالَ: لِأنَّها خُلِقَتْ مِن شَيْءٍ حَيٍّ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: بَعَثَ اللَّهُ (تَعالى) جُنْدًا مِنَ المَلائِكَةِ؛ فَحَمَلُوا آدَمَ؛ وحَوّاءَ؛ عَلى سَرِيرٍ مِن ذَهَبٍ؛ كَما يُحْمَلُ المُلُوكُ؛ ولِباسُهُما النُّورُ؛ حَتّى أدْخَلُوهُما الجَنَّةَ. وهَذا كَما تَرى يَدُلُّ عَلى خَلْقِها قَبْلَ دُخُولِ الجَنَّةِ؛ والمُرادُ بِها دارُ الثَّوابِ؛ لِأنَّها المَعْهُودَةُ؛ وقِيلَ: هي جَنَّةٌ بِأرْضِ "فِلَسْطِينَ"؛ أوْ بَيْنَ "فارِسَ"؛ و"كَرْمانَ"؛ خَلَقَها اللَّهُ (تَعالى) امْتِحانًا لَآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ وحُمِلَ الإهْباطُ عَلى النَّقْلِ مِنها إلى أرْضِ الهِنْدِ؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾؛ لِما أنَّ خَلْقَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ في الأرْضِ؛ بِلا خِلافٍ؛ ولَمْ يُذْكَرْ في هَذِهِ القِصَّةِ رَفْعُهُ إلى السَّماءِ؛ ولَوْ وقَعَ ذَلِكَ لَكانَ أوْلى بِالذِّكْرِ والتَّذْكِيرِ؛ لِما أنَّهُ مِن أعْظَمِ النِّعَمِ؛ ولِأنَّها لَوْ كانَتْ دارَ الخُلْدِ لَما دَخَلَها إبْلِيسُ؛ وقِيلَ: إنَّها كانَتْ في السَّماءِ السّابِعَةِ؛ بِدَلِيلِ "اهْبِطُوا"؛ ثُمَّ إنَّ الإهْباطَ الأوَّلَ كانَ مِنها إلى السَّماءِ الدُّنْيا؛ والثّانِيَ مِنها إلى الأرْضِ؛ وقِيلَ: الكُلُّ مُمْكِنٌ؛ والأدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ مُتَعارِضَةٌ؛ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ؛ وتَرْكُ القَطْعِ.
﴿وَكُلا مِنها﴾ أيْ: مِن ثِمارِها؛ وإنَّما وُجِّهَ الخِطابُ إلَيْهِما تَعْمِيمًا لِلتَّشْرِيفِ؛ والتَّرْفِيهِ؛ ومُبالَغَةً في إزالَةِ العِلَلِ؛ والأعْذارِ؛ وإيذانًا بِتَساوِيهِما في مُباشَرَةِ المَأْمُورِ بِهِ؛ فَإنَّ حَوّاءَ أُسْوَةٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في الأكْلِ؛ بِخِلافِ السَّكَنِ؛ فَإنَّها تابِعَةٌ لَهُ فِيهِ.
﴿رَغَدًا﴾: صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ المُؤَكِّدِ؛ أيْ: أكْلًا واسِعًا رافِهًا؛ ﴿حَيْثُ شِئْتُما﴾؛ أيْ: أيَّ مَكانٍ أرَدْتُما مِنها؛ وهَذا - كَما تَرى - إطْلاقٌ كُلِّيٌّ؛ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُما الأكْلُ مِنها؛ عَلى وجْهِ التَّوْسِعَةِ؛ البالِغَةِ؛ المُزِيحَةِ لِلْعِلَلِ؛ ولَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِما بَعْضُ الأكْلِ؛ ولا بَعْضُ المَواضِعِ الجامِعَةِ لِلْمَأْكُولاتِ؛ حَتّى لا يَبْقى (p-91)
لَهُما عُذْرٌ في تَناوُلِ ما مُنِعا مِنهُ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وَلا تَقْرَبا﴾؛ بِفَتْحِ الرّاءِ؛ مِن "قَرِبْتُ الشَّيْءَ"؛ بِالكَسْرِ؛ "أقْرَبُهُ"؛ بِالفَتْحِ؛ إذا التَبَسْتَ بِهِ؛ وتَعَرَّضْتَ لَهُ؛ وقالَ الجَوْهَرِيُّ: "قَرُبَ"؛ بِالضَّمِّ؛ "يَقْرُبُ؛ قُرْبًا"؛ إذا دَنا؛ و"قَرِبْتُهُ"؛ بِالكَسْرِ؛ "قُرْبانًا"؛ دَنَوْتُ مِنهُ.
﴿هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾: نَصْبٌ؛ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ اسْمِ الإشارَةِ؛ أوْ نَعْتٌ لَهُ؛ بِتَأْوِيلِها بِمُشْتَقٍّ؛ أيْ: هَذِهِ الحاضِرَةَ مِنَ الشَّجَرَةِ؛ أيْ: لا تَأْكُلا مِنها؛ وإنَّما عُلِّقَ النَّهْيُ بِالقُرْبانِ مِنها مُبالَغَةً في تَحْرِيمِ الأكْلِ؛ ووُجُوبِ الِاجْتِنابِ عَنْهُ؛ والمُرادُ بِها: الحِنْطَةُ؛ أوْ: العِنَبَةُ؛ أوْ: التِّينَةُ؛ وقِيلَ: هي شَجَرَةٌ مَن أكَلَ مِنها أحْدَثَ؛ والأوْلى عَدَمُ تَعْيِينِها مِن غَيْرِ قاطِعٍ؛ وقُرِئَ: "هَذِي"؛ بِالياءِ؛ وبِكَسْرِ شِينِ "الشَّجَرَةَ"؛ وتاءِ "تَقْرَبا"؛ وقُرِئَ: "الشِّيَرَةَ"؛ بِكَسْرِ الشِّينِ؛ وفَتْحِ الياءِ.
﴿فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ﴾: مَجْزُومٌ عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى "تَقْرَبا"؛ أوْ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ جَوابٌ لِلنَّهْيِ؛ وأيًّا ما كانَ؛ فالقُرْبُ - أيِ الأكْلُ مِنها - سَبَبٌ لِكَوْنِهِما مِنَ الظّالِمِينَ؛ أيِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِارْتِكابِ المَعْصِيَةِ؛ أوْ نَقَصُوا حُظُوظَهم بِمُباشَرَةِ ما يُخِلُّ بِالكَرامَةِ؛ والنَّعِيمِ؛ أوْ تَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ (تَعالى).
{"ayah":"وَقُلۡنَا یَـٰۤـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَیۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











