الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جُمْلَةٌ مُبْتَدَأةٌ؛ جِيءَ بِها لِبَيانِ كَيْفِيَّةِ الإنْفاقِ؛ الَّذِي بُيِّنَ فَضْلُهُ بِالتَّمْثِيلِ المَذْكُورِ؛ ﴿ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أنْفَقُوا﴾؛ (p-258)أيْ: ما أنْفَقُوهُ؛ أوْ: إنْفاقَهُمْ؛ ﴿مَنًّا ولا أذًى﴾: "المَنُّ": أنْ يَعْتَدَّ عَلى مَن أحْسَنَ إلَيْهِ بِإحْسانِهِ؛ ويُرِيَهُ أنَّهُ أوْجَبَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَقًّا؛ و"الأذى": أنْ يَتَطاوَلَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ إنْعامِهِ عَلَيْهِ؛ وإنَّما قُدِّمَ المَنُّ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ. وتَوْسِيطُ كَلِمَةِ "لا" لِلدَّلالَةِ عَلى شُمُولِ النَّفْيِ لِإتْباعِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما؛ و"ثُمَّ" لِإظْهارِ عُلُوِّ رُتْبَةِ المَعْطُوفِ؛ قِيلَ: نَزَلَتْ في عُثْمانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ بِألْفِ بَعِيرٍ؛ بِأقْتابِها؛ وأحْلاسِها؛ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ حِينَ أتى النَّبِيَّ ﷺ بِأرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ صَدَقَةً؛ ولَمْ يَكَدْ يَخْطُرُ بِبالِهِما شَيْءٌ مِنَ المَنِّ؛ والأذى؛ ﴿لَهم أجْرُهُمْ﴾؛ أيْ: حَسْبَما وُعِدَ لَهم في ضِمْنِ التَّمْثِيلِ؛ وهو جُمْلَةٌ مِن مُبْتَدَإٍ؛ وخَبَرٍ؛ وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ المَوْصُولِ؛ وفي تَكْرِيرِ الإسْنادِ؛ وتَقْيِيدِ الأجْرِ بِقَوْلِهِ: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾؛ مِنَ التَّأْكِيدِ؛ والتَّشْرِيفِ؛ ما لا يَخْفى؛ وتَخْلِيَةُ الخَبَرِ عَنِ الفاءِ المُفِيدَةِ لِسَبَبِيَّةِ ما قَبْلَها لِما بَعْدَها؛ لِلْإيذانِ بِأنَّ تَرَتُّبَ الأجْرِ عَلى ما ذُكِرَ مِنَ الإنْفاقِ؛ وتَرْكِ إتْباعِ المَنِّ والأذى؛ أمْرٌ بَيِّنٌ؛ لا يَحْتاجُ إلى التَّصْرِيحِ بِالسَّبَبِيَّةِ؛ وأمّا إيهامُ أنَّهم أهْلٌ لِذَلِكَ؛ وإنْ لَمْ يَفْعَلُوا؛ فَكَيْفَ بِهِمْ إذا فَعَلُوا؟ فَيَأْباهُ مَقامُ التَّرْغِيبِ في الفِعْلِ؛ والحَثِّ عَلَيْهِ؛ ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ في الدّارَيْنِ؛ مِن لُحُوقِ مَكْرُوهٍ مِنَ المَكارِهِ؛ ﴿وَلا هم يَحْزَنُونَ﴾؛ لِفَواتِ مَطْلُوبٍ مِنَ المَطالِبِ؛ قَلَّ؛ أوْ جَلَّ؛ أيْ: لا يَعْتَرِيهِمْ ما يُوجِبُهُ؛ لا أنَّهُ يَعْتَرِيهِمْ ذَلِكَ لَكِنَّهم لا يَخافُونَ؛ ولا يَحْزَنُونَ؛ ولا أنَّهُ لا يَعْتَرِيهِمْ خَوْفٌ؛ وحُزْنٌ أصْلًا؛ بَلْ يَسْتَمِرُّونَ عَلى النَّشاطِ؛ والسُّرُورِ؛ كَيْفَ لا.. واسْتِشْعارُ الخَوْفِ؛ والخَشْيَةِ؛ اسْتِعْظامًا لِجَلالِ اللَّهِ (تَعالى) وهَيْبَتِهِ؛ واسْتِقْصارًا لِلْجِدِّ؛ والسَّعْيِ في إقامَةِ حُقُوقِ العُبُودِيَّةِ؛ مِن خَواصِّ الخَواصِّ؛ والمُقَرَّبِينَ؟ والمُرادُ بَيانُ دَوامِ انْتِفائِهِما؛ لا بَيانُ انْتِفاءِ دَوامِهِما؛ كَما يُوهِمُهُ كَوْنُ الخَبَرِ في الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ مُضارِعًا؛ لِما أنَّ النَّفْيَ؛ وإنْ دَخَلَ عَلى نَفْسِ المُضارِعِ يُفِيدُ الدَّوامَ؛ والِاسْتِمْرارَ؛ بِحَسَبِ المَقامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب