الباحث القرآني

﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ﴾: اسْتِشْهادٌ عَلى ما ذُكِرَ مِن أنَّ الكَفَرَةَ أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ؛ وتَقْرِيرٌ لَهُ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ألَمْ تَرَ أنَّهم في كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ﴾؛ كَما أنَّ ما بَعْدَهُ اسْتِشْهادٌ عَلى وِلايَتِهِ (تَعالى) لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وتَقْرِيرٌ لَها؛ وإنَّما بُدِئَ بِهَذا لِرِعايَةِ الِاقْتِرانِ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَدْلُولِهِ؛ ولِاسْتِقْلالِهِ بِأمْرٍ عَجِيبٍ؛ حَقِيقٍ بِأنْ يُصَدَّرَ بِهِ المَقالُ؛ وهو اجْتِراؤُهُ عَلى المُحاجَّةِ في اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ وما أتى بِها في أثْنائِها مِنَ العَظِيمَةِ؛ المُنادِيَةِ بِكَمالِ حَماقَتِهِ؛ ولِأنَّ فِيما بَعْدَهُ تَعَدُّدًا وتَفْصِيلًا يُورِثُ تَقْدِيمُهُ انْتِشارَ النَّظْمِ؛ عَلى أنَّهُ قَدْ أُشِيرَ في تَضاعِيفِهِ إلى هِدايَةِ اللَّهِ (تَعالى) أيْضًا؛ بِواسِطَةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَإنَّ ما يُحْكى عَنْهُ مِنَ الدَّعْوَةِ إلى الحَقِّ؛ وإدْحاضِ حُجَّةِ الكُفّارِ؛ مِن آثارِ وِلايَتِهِ (تَعالى)؛ وهَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ لِإنْكارِ النَّفْيِ؛ وتَقْرِيرِ المَنفِيِّ؛ أيْ: ألَمْ تَنْظُرْ؟ أوْ: ألَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إلى هَذا الطّاغُوتِ المارِدِ؛ كَيْفَ تَصَدّى لِإضْلالِ النّاسِ وإخْراجِهِمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ؟ أيْ: قَدْ تَحَقَّقَتِ الرُّؤْيَةُ؛ وتَقَرَّرَتْ بِناءً عَلى أنَّ أمْرَهُ مِنَ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَخْفى عَلى أحَدٍ؛ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ الخِطابِ؛ فَظَهَرَ أنَّ الكَفَرَةَ أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ؛ وفي التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الربوبية؛ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ تَشْرِيفٌ لَهُ؛ وإيذانٌ بِتَأْيِيدِهِ في المُحاجَّةِ؛ ﴿أنْ آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ﴾؛ أيْ: لِأنْ آتاهُ إيّاهُ؛ حَيْثُ أبْطَرَهُ ذَلِكَ؛ وحَمَلَهُ عَلى المُحاجَّةِ؛ أوْ حاجَّهُ لِأجْلِهِ؛ وضْعًا لِلْمُحاجَّةِ - الَّتِي هي أقْبَحُ وُجُوهِ الكُفْرِ - مَوْضِعَ ما يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ؛ كَما يُقالُ: "عادَيْتَنِي لِأنْ أحْسَنْتُ إلَيْكَ"؛ أوْ: وقْتَ أنْ آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ؛ وهو حُجَّةٌ عَلى مَن مَنَعَ إيتاءَ اللَّهِ المُلْكَ لِلْكافِرِ؛ ﴿إذْ قالَ إبْراهِيمُ﴾: ظَرْفٌ لِـ "حاجَّ"؛ أوْ بَدَلٌ مِن "آتاهُ"؛ عَلى الوَجْهِ الأخِيرِ؛ ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ﴾؛ بِفَتْحِ ياءِ "رَبِّيَ"؛ وقُرِئَ بِحَذْفِها؛ رُوِيَ أنَّهُ ﷺ لَمّا كَسَرَ الأصْنامَ سَجَنَهُ؛ ثُمَّ أخْرَجَهُ؛ فَقالَ: مَن رَبُّكَ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ؟ قالَ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي؛ ويُمِيتُ؛ أيْ: يَخْلُقُ الحَياةَ؛ والمَوْتَ؛ في الأجْسادِ؛ قالَ: اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّؤالِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ حاجَّهُ في هَذِهِ المَقالَةِ القَوِيَّةِ الحَقَّةِ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ أنا أُحْيِي وأُمِيتُ﴾؛ رُوِيَ أنَّهُ دَعا بِرَجُلَيْنِ؛ فَقَتَلَ أحَدَهُما؛ وأطْلَقَ الآخَرَ؛ فَقالَ ذَلِكَ؛ ﴿قالَ إبْراهِيمُ﴾: اسْتِئْنافٌ؛ كَما سَلَفَ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: (p-252)فَماذا قالَ إبْراهِيمُ لِمَن في هَذِهِ المَرْتَبَةِ مِنَ الحَماقَةِ؟ وبِماذا أفْحَمَهُ؟ فَقِيلَ: قالَ" فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ "؛ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ؛ ﴿فَأْتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ﴾؛ إنْ كُنْتَ قادِرًا عَلى مِثْلِ مَقْدُوراتِهِ (تَعالى)؛ لَمْ يَلْتَفِتْ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى إبْطالِ مَقالَةِ اللَّعِينِ؛ إيذانًا بِأنَّ بُطْلانَها مِنَ الجَلاءِ والظُّهُورِ؛ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَخْفى عَلى أحَدٍ؛ وأنَّ التَّصَدِّيَ لِإبْطالِها مِن قَبِيلِ السَّعْيِ في تَحْصِيلِ الحاصِلِ؛ وأتى بِمِثالٍ لا يَجِدُ اللَّعِينَ فِيهِ مَجالًا لِلتَّمْوِيهِ؛ والتَّلْبِيسِ؛ ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾؛ أيْ: صارَ مَبْهُوتًا؛ وقُرِئَ عَلى بِناءِ الفاعِلِ؛ عَلى أنَّ المَوْصُولَ مَفْعُولُهُ؛ أيْ: فَغَلَبَ إبْراهِيمُ الكافِرَ؛ وأسْكَتَهُ؛ وإيرادُ الكُفْرِ في حَيِّزِ الصِّلَةِ لِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ؛ والتَّنْصِيصِ عَلى كَوْنِ المُحاجَّةِ كُفْرًا؛ ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾: تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ؛ أيْ: لا يَهْدِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ؛ بِتَعْرِيضِها لِلْعَذابِ المُخَلِّدِ؛ بِسَبَبِ إعْراضِهِمْ عَنْ قَبُولِ الهِدايَةِ؛ إلى مَناهِجِ الِاسْتِدْلالِ؛ أوْ إلى سَبِيلِ النَّجاةِ؛ أوْ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ؛ يَوْمَ القِيامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب