الباحث القرآني

﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾: خِطابٌ لِلْكُلِّ؛ ﴿فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ﴾: "التَّعْرِيضُ"؛ و"التَّلْوِيحُ": إبْهامُ المَقْصُودِ؛ بِما لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَقِيقَةً؛ ولا مَجازًا؛ كَقَوْلِ السّائِلِ: "جِئْتُكَ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ"؛ وأصْلُهُ إمالَةُ الكَلامِ عَنْ نَهْجِهِ إلى عُرْضٍ مِنهُ؛ أيْ: جانِبٍ؛ والكِنايَةُ هي الدَّلالَةُ عَلى الشَّيْءِ بِذِكْرِ لَوازِمِهِ؛ ورَوادِفِهِ؛ كَقَوْلِكَ: "طَوِيلُ النِّجادِ"؛ لِلطَّوِيلِ؛ و"كَثِيرُ الرَّمادِ"؛ لِلْمِضْيافِ؛ ﴿مِن خِطْبَةِ النِّساءِ﴾؛ "الخِطْبَةُ"؛ بِالكَسْرِ؛ كَـ "القِعْدَةُ"؛ و"الجِلْسَةُ"؛ ما يَفْعَلُهُ الخاطِبُ مِنَ الطَّلَبِ؛ والِاسْتِلْطافِ بِالقَوْلِ؛ والفِعْلِ؛ فَقِيلَ: هي مَأْخُوذَةٌ مِن "الخَطْبُ"؛ أيْ: الشَّأْنُ الَّذِي لَهُ خَطَرٌ؛ لِما أنَّها شَأْنٌ مِنَ الشُّؤُونِ؛ ونَوْعٌ مِنَ الخُطُوبِ؛ وقِيلَ: مِن "الخِطابُ"؛ لِأنَّها نَوْعُ مُخاطَبَةٍ؛ تَجْرِي بَيْنَ جانِبِ الرَّجُلِ؛ وجانِبِ المَرْأةِ؛ والمُرادُ بِالنِّساءِ: المُعْتَدّاتُ لِلْوَفاةِ؛ والتَّعْرِيضُ لِخِطْبَتِهِنَّ أنْ يَقُولَ لَها: "إنَّكِ لَجَمِيلَةٌ"؛ أوْ "صالِحَةٌ"؛ أوْ "نافِعَةٌ"؛ و"مِن غَرَضِي أنْ أتَزَوَّجَ"؛ ونَحْوُ ذَلِكَ؛ مِمّا يُوهِمُ أنَّهُ يُرِيدُ نِكاحَها؛ حَتّى تَحْبِسَ نَفْسَها عَلَيْهِ إنْ رَغِبَتْ فِيهِ؛ ولا يُصَرِّحْ بِالنِّكاحِ؛ ﴿أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾؛ أيْ: أضْمَرْتُمْ في قُلُوبِكُمْ؛ فَلَمْ تَذْكُرُوهُ تَصْرِيحًا؛ ولا تَعْرِيضًا؛ ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾؛ ولا تَصْبِرُونَ عَلى السُّكُوتِ عَنْهُنَّ؛ وعَنْ إظْهارِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ؛ وفِيهِ نَوْعُ تَوْبِيخٍ لَهم عَلى قِلَّةِ التَّثَبُّتِ؛ ﴿وَلَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾: اسْتِدْراكٌ عَنْ مَحْذُوفٍ؛ دَلَّ عَلَيْهِ "سَتَذْكُرُونَهُنَّ"؛ أيْ: فاذْكُرُوهُنَّ؛ ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ نِكاحًا؛ بَلِ اكْتَفُوا بِما رُخِّصَ لَكم مِنَ التَّعْرِيضِ؛ والتَّعْبِيرُ عَنِ النِّكاحِ بِالسِّرِّ لِأنَّ مُسَبِّبَهُ - الَّذِي هو الوَطْءُ - مِمّا يُسَرُّ بِهِ؛ وإيثارُهُ عَلى اسْمِهِ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ مِمّا يَنْبَغِي أنْ يُسَرَّ بِهِ؛ ويُكْتَمَ؛ وحَمْلُهُ عَلى الوَطْءِ رُبَّما يُوهِمُ الرُّخْصَةَ في المَحْظُورِ؛ الَّذِي هو التَّصْرِيحُ بِالنِّكاحِ؛ وقِيلَ: انْتِصابُ "سِرًّا" عَلى الظَّرْفِيَّةِ؛ أيْ: لا تُواعِدُوهُنَّ في السِّرِّ؛ عَلى أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ (p-233)المُواعَدَةُ بِما يُسْتَهْجَنُ؛ وفِيهِ ما فِيهِ؛ ﴿إلا أنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾: اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّهْيُ؛ أيْ: لا تَواعِدُوهُنَّ مُواعَدَةً ما؛ إلّا مُواعَدَةً مَعْرُوفَةً؛ غَيْرَ مُنْكَرَةٍ شَرْعًا؛ وهي ما يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ؛ والتَّلْوِيحِ؛ أوْ: إلّا مُواعَدَةً بِقَوْلٍ مَعْرُوفٍ؛ أوْ: لا تُواعِدُوهُنَّ بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ إلّا بِأنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا؛ وقِيلَ: هو اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ؛ مِن "سِرًّا"؛ وهو ضَعِيفٌ؛ لِأدائِهِ إلى جَعْلِ التَّعْرِيضِ مَوْعُودًا؛ ولَيْسَ كَذَلِكَ؛ ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾؛ مِن "عَزَمَ الأمْرَ"؛ إذا قَصَدَهُ قَصْدًا جازِمًا؛ وحَقِيقَتُهُ: القَطْعُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﷺ: « "لا صِيامَ لِمَن لَمْ يَعْزِمِ الصِّيامَ مِنَ اللَّيْلِ"؛» ورُوِيَ: « "لِمَن لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيامَ"؛» والنَّهْيُ عَنْهُ لِلْمُبالَغَةِ في النَّهْيِ عَنْ مُباشَرَةِ عَقْدِ النِّكاحِ؛ أيْ: لا تَعْزِمُوا عَقْدَ عُقْدَةِ النِّكاحِ؛ ﴿حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾؛ أيْ: العِدَّةُ المَكْتُوبَةُ؛ المَفْرُوضَةُ؛ آخِرَها؛ وقِيلَ: مَعْناهُ: لا تَقْطَعُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ؛ أيْ: لا تُبْرِمُوها؛ ولا تُلْزِمُوها؛ ولا تُقْدِمُوا عَلَيْها؛ فَيَكُونُ نَهْيًا عَنْ نَفْسِ الفِعْلِ؛ لا عَنْ قَصْدِهِ؛ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكُمْ﴾؛ مِن ذَواتِ الصُّدُورِ؛ الَّتِي مِن جُمْلَتِها العَزْمُ عَلى ما نُهِيتُمْ عَنْهُ؛ ﴿فاحْذَرُوهُ﴾؛ بِالِاجْتِنابِ عَنِ العَزْمِ ابْتِداءً؛ أوْ إقْلاعًا عَنْهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ؛ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾؛ يَغْفِرُ لِمَن يُقْلِعُ عَنْ عَزْمِهِ؛ خَشْيَةً مِنهُ (تَعالى)؛ ﴿حَلِيمٌ﴾؛ لا يُعاجِلُكم بِالعُقُوبَةِ؛ فَلا تَسْتَدِلُّوا بِتَأْخِيرِها عَلى أنَّ ما نُهِيتُمْ عَنْهُ مِنَ العَزْمِ لَيْسَ مِمّا يَسْتَتْبِعُ المُؤاخَذَةَ. وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِإدْخالِ الرَّوْعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب