الباحث القرآني
﴿وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾؛ أيْ: آخِرَ عِدَّتِهِنَّ؛ فَإنَّ الأجَلَ؛ كَما يَنْطَلِقُ (p-228)عَلى المُدَّةِ؛ يَنْطَلِقُ عَلى مُنْتَهاها؛ والبُلُوغُ هو الوُصُولُ إلى الشَّيْءِ؛ وقَدْ يُقالُ لِلدُّنُوِّ مِنهُ؛ اتِّساعًا؛ وهو المُرادُ هَهُنا؛ لِقَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾؛ إذْ لا مَكانَ لِلْإمْساكِ بَعْدَ تَحَقُّقِ بُلُوغِ الأجْلِ؛ أيْ: فَراجِعُوهُنَّ بِغَيْرِ ضِرارٍ؛ أوْ خَلُّوهُنَّ حَتّى يَنْقَضِيَ أجَلُهُنَّ بِإحْسانٍ؛ مِن غَيْرِ تَطْوِيلٍ؛ وهَذا كَما تَرى إعادَةٌ لِلْحُكْمِ في بَعْضِ صُوَرِهِ؛ اعْتِناءً بِشَأْنِهِ؛ ومُبالَغَةً في إيجابِ المُحافَظَةِ عَلَيْهِ؛ ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا﴾؛ تَأْكِيدٌ لِلْأمْرِ بِالإمْساكِ بِمَعْرُوفٍ؛ وتَوْضِيحٌ لِمَعْناهُ؛ وزَجْرٌ صَرِيحٌ عَمّا كانُوا يَتَعاطَوْنَهُ؛ أيْ: لا تُراجِعُوهُنَّ إرادَةَ الإضْرارِ بِهِنَّ؛ كانَ المُطَلِّقُ يَتْرُكُ المُعْتَدَّةَ؛ حَتّى إذا شارَفَتِ انْقِضاءَ الأجَلِ يُراجِعُها؛ لا لِرَغْبَةٍ فِيها؛ بَلْ لِيُطَوِّلَ عَلَيْها العِدَّةَ؛ فَنُهِيَ عَنْهُ؛ بَعْدَما أُمِرَ بِضِدِّهِ؛ لِما ذُكِرَ؛ و"ضِرارًا": نُصِبَ عَلى العِلِّيَّةِ؛ أوِ الحالِيَّةِ؛ أيْ: لا تُمْسِكُوهُنَّ لِلْمُضارَّةِ؛ أوْ مُضارِّينَ؛ واللّامُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لِتَعْتَدُوا﴾ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "ضِرارًا"؛ أيْ: لِتَظْلِمُوهُنَّ بِالإلْجاءِ إلى الِافْتِداءِ؛ ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: ما ذُكِرَ مِنَ الإمْساكِ المُؤَدِّي إلى الظُّلْمِ؛ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلدَّلالَةِ عَلى بُعْدِ مَنزِلَتِهِ في الشَّرِّ؛ والفَسادِ؛ ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾؛ في ضِمْنِ ظُلْمِهِ لَهُنَّ؛ بِتَعْرِيضِها لِلْعِقابِ؛ ﴿وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ﴾؛ المُنْطَوِيَةَ عَلى الأحْكامِ المَذْكُورَةِ؛ أوْ: جَمِيعَ آياتِهِ؛ وهي داخِلَةٌ فِيها دُخُولًا أوَّلِيًّا؛ ﴿هُزُوًا﴾؛ أيْ: مَهْزُوًّا بِها؛ بِأنْ تُعْرِضُوا عَنْها؛ وتَتَهاوَنُوا في المُحافَظَةِ عَلى ما في تَضاعِيفِها مِنَ الأحْكامِ؛ والحُدُودِ؛ مِن قَوْلِهِمْ لِمَن لَمْ يَجِدَّ في الأمْرِ: "أنْتَ هازِئٌ"؛ كَأنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الهُزْءِ بِها؛ وأُرِيدَ ما يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الأمْرِ بِضِدِّهِ؛ أيْ: جِدُّوا في الأخْذِ بِها؛ والعَمَلِ بِما فِيها؛ وارْعَوْها حَقَّ رِعايَتِها؛ وإلّا فَقَدَ أخَذْتُمُوها هُزُؤًا ولَعِبًا؛ ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ النَّهْيُ عَنِ الإمْساكِ ضِرارًا؛ فَإنَّ الرَّجْعَةَ بِلا رَغْبَةِ فِيها عَمَلٌ بِمُوجِبِ آياتِ اللَّهِ (تَعالى)؛ بِحَسَبِ الظّاهِرِ؛ دُونَ الحَقِيقَةِ؛ وهو مَعْنى الهُزْءِ؛ وقِيلَ: كانَ الرَّجُلُ يَنْكِحُ؛ ويُطَلِّقُ؛ ويُعْتِقُ؛ ثُمَّ يَقُولُ: إنَّما كُنْتُ ألْعَبُ؛ فَنَزَلَتْ. ولِذَلِكَ قالَ ﷺ: « "ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ؛ وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ؛ والطَّلاقُ؛ والعِتاقُ".»
﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾؛ حَيْثُ هَداكم إلى ما فِيهِ سَعادَتُكُمُ الدِّينِيَّةُ؛ والدُّنْيَوِيَّةُ؛ أيْ: قابِلُوها بِالشُّكْرِ؛ والقِيامِ بِحُقُوقِها؛ والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن "نِعْمَةَ اللَّهِ"؛ أيْ: كائِنَةً عَلَيْكُمْ؛ أوْ صِفَةٌ لَها؛ عَلى رَأْيِ مَن يُجَوِّزُ حَذْفَ المَوْصُولِ مَعَ بَعْضِ صِلَتِهِ؛ أيْ: الكائِنَةَ عَلَيْكُمْ؛ ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِنَفْسِها؛ إنْ أُرِيدَ بِها الإنْعامُ؛ لِأنَّها اسْمُ مَصْدَرٍ؛ كَـ "نَباتٌ"؛ مِن "أنْبَتَ"؛ ولا يَقْدَحُ في عَمَلِهِ تاءُ التَّأْنِيثِ؛ لِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْها؛ كَما في قَوْلِهِ:
؎ فَلَوْلا رَجاءُ النَّصْرِ مِنكَ ورَهْبَةٌ ∗∗∗ عِقابَكَ قَدْ كانُوا لَنا كالمَوارِدِ
﴿وَما أنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾: عَطْفٌ عَلى "نِعْمَةَ اللَّهِ"؛ و"ما" مَوْصُولَةٌ؛ حُذِفَ عائِدُها مِنَ الصِّلَةِ؛ و"مِن" في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مِنَ الكِتابِ والحِكْمَةِ﴾: بَيانِيَّةٌ؛ أيْ: مِنَ القرآن؛ والسُّنَّةِ؛ أوِ القرآن الجامِعِ لِلْعُنْوانَيْنِ؛ عَلى أنَّ العَطْفَ لِتَغايُرِ الوَصْفَيْنِ؛ كَما في قَوْلِهِ:
؎ إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ ∗∗∗
وَفِي إبْهامِهِ أوَّلًا؛ ثُمَّ بَيانِهِ؛ مِنَ التَّفْخِيمِ ما لا يَخْفى؛ وفي إفْرادِهِ بِالذِّكْرِ؛ مَعَ كَوْنِهِ أوَّلَ ما دَخَلَ في النِّعْمَةِ المَأْمُورِ بِذِكْرِها؛ إبانَةٌ بِخَطَرِهِ؛ ومُبالَغَةٌ في البَعْثِ عَلى مُراعاةِ ما ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنَ الأحْكامِ؛ ﴿يَعِظُكم بِهِ﴾؛ أيْ: بِما أنْزَلَ؛ حالٌ مِن فاعِلِ "أنْزَلَ"؛ أوْ مَفْعُولِهِ؛ أوْ مِنهُما مَعًا؛ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ في شَأْنِ المُحافَظَةِ عَلَيْهِ؛ والقِيامِ بِحُقُوقِهِ الواجِبَةِ؛ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾؛ فَلا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمّا تَأْتُونَ؛ وما تَذَرُونَ؛ فَيُؤاخِذُكم بِأفانِينِ العِقابِ.(p-229)
{"ayah":"وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟ۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق