الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾: مُتَعَلِّقٌ إمّا بِـ "يُبَيِّنُ"؛ أيْ: يُبَيِّنُ لَكم فِيما يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيا والآخِرَةِ الآياتِ؛ وإمّا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن "الآياتِ"؛ أيْ: يُبَيِّنُها لَكم كائِنَةً فِيهِما؛ أيْ: مُبَيِّنَةً لِأحْوالِكُمُ المُتَعَلِّقَةِ بِهِما؛ وإنَّما قُدِّمَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ لِمَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِ التَّفَكُّرِ؛ وإمّا بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿تَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أيْ: تَتَفَكَّرُونَ في الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيا؛ والآخِرَةِ؛ في الأحْكامِ الوارِدَةِ في أجْوِبَةِ الأسْئِلَةِ المارَّةِ؛ فَتَخْتارُونَ مِنها ما يَصْلُحُ لَكم فِيهِما؛ وتَجْتَنِبُونَ عَنْ غَيْرِهِ؛ وهَذا التَّخْصِيصُ هو المُناسِبُ لِمَقامِ تَعْدادِ الأحْكامِ الجُزْئِيَّةِ؛ ويَجُوزُ التَّعْمِيمُ لِجَمِيعِ الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيا والآخِرَةِ؛ فَـ "ذَلِكَ" حِينَئِذٍ إشارَةٌ إلى ما مَرَّ مِنَ البَياناتِ؛ كُلًّا؛ أوْ بَعْضًا؛ لا إلى مَصْدَرِ ما بَعْدَهُ؛ فَإنَّهُ حِينَئِذٍ فِعْلٌ مُسْتَقِلٌّ؛ لَيْسَ بِعِبارَةٍ عَنْ تِلْكَ البَياناتِ؛ والمُرادُ بِالآياتِ غَيْرُ ما ذُكِرَ؛ والمَعْنى: مِثْلَ ذَلِكَ البَيانِ الوارِدِ في الأجْوِبَةِ المَذْكُورَةِ يُبَيِّنُ اللَّهُ (تَعالى) لَكُمُ الآياتِ والدَّلائِلَ؛ لَعَلَّكم تَتَفَكَّرُونَ في أُمُورِكُمُ المُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيا والآخِرَةِ؛ وتَأْخُذُونَ بِما يَصْلُحُ لَكُمْ؛ ويَنْفَعُكم فِيهِما؛ وتَذَرُونَ ما يَضُرُّكُمْ؛ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الآياتُ المُبَيِّنَةُ؛ ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى﴾: عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ مِن نَظِيرِهِ؛ رُوِيَ «أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا﴾؛ الآيَةُ.. تَحامى النّاسُ عَنْ مُخالَطَةِ اليَتامى؛ وتَعَهُّدِ أمْوالِهِمْ؛ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ؛ فَذَكَرُوهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَنَزَلَتْ.» ﴿قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ﴾: أيْ: التَّعَرُّضُ لِأحْوالِهِمْ؛ وأمْوالِهِمْ؛ عَلى طَرِيقِ الإصْلاحِ؛ خَيْرٌ مِن مُجانَبَتِهِمُ اتِّقاءً؛ ﴿وَإنْ تُخالِطُوهُمْ﴾؛ وتُعاشِرُوهم عَلى وجْهٍ يَنْفَعُهُمْ؛ ﴿فَإخْوانُكُمْ﴾؛ أيْ: فَهم إخْوانُكُمْ؛ أيْ: في الدِّينِ الَّذِي هو أقْوى مِنَ العَلاقَةِ النَّسَبِيَّةِ؛ ومِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ؛ ومَواجِبِها؛ المُخالَطَةُ بِالإصْلاحِ؛ والنَّفْعِ؛ وقَدْ حُمِلَ المُخالَطَةُ عَلى المُصاهَرَةِ؛ ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ﴾: "العِلْمُ" بِمَعْنى: "المَعْرِفَةُ"؛ المُتَعَدِّيَةِ إلى واحِدٍ؛ و"مِن" لِتَضْمِينِهِ مَعْنى التَّمْيِيزِ؛ أيْ: يَعْلَمُ مَن يُفْسِدُ في أُمُورِهِمْ عِنْدَ المُخالَطَةِ؛ أوْ مَن يَقْصِدُ بِمُخالَطَتِهِ الخِيانَةَ؛ والإفْسادَ؛ مُمَيِّزًا لَهُ مِمَّنْ يُصْلِحُ فِيها؛ أوْ يَقْصِدُ الإصْلاحَ؛ فَيُجازِي كُلًّا مِنهُما بِعَمَلِهِ؛ فَفِيهِ وعْدٌ؛ ووَعِيدٌ؛ خَلا أنَّ في تَقْدِيمِ "المُفْسِدَ"؛ مَزِيدَ تَهْدِيدٍ؛ وتَأْكِيدٍ لِلْوَعِيدِ؛ ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ﴾؛ أيْ: لَوْ شاءَ أنْ يُعْنِتَكُمْ؛ أيْ: يُكَلِّفَكم ما يَشُقُّ عَلَيْكم - مِن "العَنَتُ"؛ وهو "المَشَقَّةُ" -؛ لَفَعَلَ؛ ولَمْ يُجَوِّزْ لَكم مُداخَلَتَهُمْ؛ ﴿إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾: غالِبٌ عَلى أمْرِهِ؛ لا يَعِزُّ عَلَيْهِ أمْرٌ مِنَ الأُمُورِ؛ الَّتِي مِن جُمْلَتِها إعْناتُكُمْ؛ فَهو تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ الشَّرْطِيَّةِ؛ وقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿حَكِيمٌ﴾؛ أيْ: فاعِلٌ لِأفْعالِهِ حَسْبَما يَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ الدّاعِيَةُ إلى بِناءِ التَّكْلِيفِ؛ عَلى أساسِ الطّاقَةِ؛ دَلِيلٌ عَلى ما يُفِيدُهُ كَلِمَةُ "لَوْ"؛ مِنَ انْتِفاءِ مُقَدَّمِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب