الباحث القرآني

﴿أمْ حَسِبْتُمْ﴾؛ خُوطِبَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ ومَن مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ حَثًّا لَهم عَلى الثَّباتِ عَلى المُصابَرَةِ عَلى مُخالَفَةِ الكَفَرَةِ؛ وتَحَمُّلِ المَشاقِّ مِن جِهَتِهِمْ؛ إثْرَ بَيانِ اخْتِلافِ الأُمَمِ عَلى الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ وقَدْ بُيِّنَ فِيهِ مَآلُ اخْتِلافِهِمْ؛ وما لَقِيَ الأنْبِياءُ؛ ومَن مَعَهم مِن قَبْلِهِمْ؛ مِن مُكابَدَةِ الشَّدائِدِ؛ ومُقاساةِ الهُمُومِ؛ وأنَّ عاقِبَةَ أمْرِهِمُ النَّصْرُ؛ و"أمْ" مُنْقَطِعَةٌ؛ والهَمْزَةُ فِيها لِلْإنْكارِ؛ والِاسْتِبْعادِ؛ أيْ: بَلْ حَسِبْتُمْ؛ ﴿أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَأْتِكم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ﴾؛ مِنَ الأنْبِياءِ؛ ومَن مَعَهم مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ أيْ: والحالُ أنَّهُ لَمْ يَأْتِكم مَثَلُهم بَعْدُ؛ ولَمْ تُبْتَلَوْا بِما ابْتُلُوا بِهِ مِنَ الأحْوالِ الهائِلَةِ؛ الَّتِي هي مَثَلٌ في الفَظاعَةِ؛ والشِّدَّةِ؛ وهو مُتَوَقَّعٌ؛ ومُنْتَظَرٌ؛ ﴿مَسَّتْهُمُ﴾: اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَمّا يَنْساقُ إلَيْهِ الذِّهْنُ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ كانَ مَثَلُهُمْ؟ فَقِيلَ: ﴿مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ﴾؛ أيْ: الشِّدَّةُ؛ مِنَ الخَوْفِ؛ والفاقَةِ؛ ﴿والضَّرّاءُ﴾؛ أيْ: الآلامُ؛ والأمْراضُ؛ ﴿وَزُلْزِلُوا﴾؛ أيْ: أُزْعِجُوا إزْعاجًا شَدِيدًا؛ بِما دَهَمَهم مِنَ الأهْوالِ؛ والأفْزاعِ؛ ﴿حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾؛ أيْ: انْتَهى أمْرُهم مِنَ الشِّدَّةِ إلى حَيْثُ اضْطَرَّهُمُ الضَّجَرُ إلى أنْ يَقُولَ الرَّسُولُ - وهو أعْلَمُ النّاسِ بِشُئُونِ اللَّهِ (تَعالى)؛ وأوْثَقُهم بِنَصْرِهِ -؛ والمُؤْمِنُونَ المُقْتَدُونَ بِآثارِهِ؛ المُسْتَضِيئُونَ بِأنْوارِهِ: ﴿مَتى﴾؛ أيْ: مَتى يَأْتِي؛ ﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾؛ طَلَبًا؛ وتَمَنِّيًا لَهُ؛ واسْتِطالَةً لِمُدَّةِ الشِّدَّةِ؛ والعَناءِ؛ وقُرِئَ: "حَتّى يَقُولُ"؛ بِالرَّفْعِ؛ عَلى أنَّهُ حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ؛ وهَذا - كَما تَرى - غايَةُ الغاياتِ القاصِيَةِ؛ ونِهايَةُ النِّهاياتِ النّائِيَةِ؛ كَيْفَ لا.. والرُّسُلُ - مَعَ عُلُوِّ كَعْبِهِمْ في الثَّباتِ؛ والِاصْطِبارِ - حَيْثُ عِيلَ صَبْرُهُمْ؛ وبَلَغُوا هَذا المَبْلَغَ مِنَ الضَّجَرِ؛ والضَّجِيجِ؛ عُلِمَ أنَّ الأمْرَ بَلَغَ إلى غايَةٍ لا مَطْمَحَ وراءَها؟ ﴿ألا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾؛ عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ؛ أيْ: فَقِيلَ لَهم حِينَئِذٍ ذَلِكَ؛ إسْعافًا لِمَرامِهِمْ؛ والمُرادُ بِالقُرْبِ: القُرْبُ الزَّمانِيُّ؛ وفي إيثارِ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلى الفِعْلِيَّةِ المُناسِبَةِ لِما قَبْلَها؛ وتَصْدِيرِها بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ؛ والتَّأْكِيدِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى تَحْقِيقِ مَضْمُونِها؛ وتَقْرِيرِهِ ما لا يَخْفى؛ واخْتِيارُ حِكايَةِ الوَعْدِ بِالنَّصْرِ لَنا؛ لِما أنَّها في حُكْمِ إنْشاءِ الوَعْدِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ والِاقْتِصارُ عَلى حِكايَتِها؛ دُونَ حِكايَةِ نَفْسِ النَّصْرِ؛ مَعَ تَحَقُّقِهِ؛ لِلْإيذانِ بِعَدَمِ الحاجَةِ إلى ذَلِكَ؛ لِاسْتِحالَةِ الخُلْفِ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا وارِدًا مِن جِهَتِهِ (تَعالى) عِنْدَ الحِكايَةِ؛ عَلى نَهْجِ الِاعْتِراضِ؛ لا وارِدًا عِنْدَ وُقُوعِ المَحْكِيِّ؛ وفِيهِ رَمْزٌ إلى أنَّ الوُصُولَ إلى جَنابِ القُدْسِ لا يَتَسَنّى إلّا بِرَفْضِ اللَّذّاتِ؛ ومُكابَدَةِ المَشاقِّ؛ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ ﷺ: « "حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكارِهِ؛ وحُفَّتِ النّارُ بِالشَّهَواتِ".»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب