﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾: مُبْتَدَأٌ؛ وخَبَرٌ؛ كَما مَرَّ؛ أيْ: يَبِيعُها بِبَذْلِها في الجِهادِ؛ ومَشاقِّ الطّاعاتِ؛ وتَعْرِيضِها لِلْمَهالِكِ؛ في الحُرُوبِ؛ أوْ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ؛ ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ؛ وإنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ القَتْلُ؛ ﴿ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: طالِبًا لِرِضاهُ؛ وهَذا كَمالُ التَّقْوى؛ وإيرادُهُ قَسِيمًا لِلْأوَّلِ؛ مِن حَيْثُ إنَّ ذَلِكَ يَأْنَفُ مِنَ الأمْرِ بِالتَّقْوى؛ وهَذا يَأْمُرُ بِذَلِكَ؛ وإنْ أدّى إلى الهَلاكِ؛ وقِيلَ: نَزَلَتْ في صُهَيْبِ بْنِ سِنانٍ الرُّومِيِّ؛ أخَذَهُ المُشْرِكُونَ؛ وعَذَّبُوهُ لِيَرْتَدَّ؛ فَقالَ: إنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ؛ (p-212)لا أنْفَعُكم إنْ كُنْتُ مَعَكُمْ؛ ولا أضُرُّكم إنْ كُنْتُ عَلَيْكُمْ؛ فَخَلُّونِي وما أنا عَلَيْهِ؛ وخُذُوا مالِي؛ فَقَبِلُوا مِنهُ مالَهُ؛ فَأتى المَدِينَةَ. فَـ "يَشْرِي" حِينَئِذٍ بِمَعْنى: "يَشْتَرِي"؛ لِجَرَيانِ الحالِ عَلى صُورَةِ الشَّرْيِ؛ ﴿واللَّهُ رَءُوفٌ بِالعِبادِ﴾؛ ولِذَلِكَ يُكَلِّفُهُمُ التَّقْوى؛ ويُعَرِّضُهم لِلثَّوابِ؛ والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡرِی نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}