الباحث القرآني

﴿الحَجُّ﴾؛ أيْ: وقْتُهُ؛ ﴿أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾؛ مَعْرُوفاتٌ بَيْنَ النّاسِ؛ هِيَ: شَوّالٌ؛ وذُو القِعْدَةِ؛ وعَشْرُ ذِي الحِجَّةِ؛ (عِنْدَنا؛ وتِسْعَةٌ بِلَيْلَةِ النَّحْرِ؛ عِنْدَ الشّافِعِيِّ؛ وكُلُّهُ عِنْدَ مالِكٍ؛ ومَدارُ الخِلافِ أنَّ المُرادَ بِوَقْتِهِ وقْتُ إحْرامِهِ؛ أوْ وقْتُ أعْمالِهِ؛ ومَناسِكِهِ؛ أوْ ما لا يَحْسُنُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ المَناسِكِ مُطْلَقًا؛ فَإنَّ مالِكًا كَرِهَ العُمْرَةَ في بَقِيَّةِ ذِي الحِجَّةِ؛ وأبُو حَنِيفَةَ؛ وإنْ صَحَّحَ الإحْرامَ بِهِ قَبْلَ شَوّالٍ؛ فَقَدِ اسْتَكْرَهَهُ؛ وإنَّما سَمّى شَهْرَيْنِ؛ وبَعْضَ شَهْرٍ؛ أشْهُرًا إقامَةً لِلْبَعْضِ مَقامَ الكُلِّ؛ أوْ إطْلاقًا لِلْجَمْعِ عَلى ما فَوْقَ الواحِدِ؛ وصِيغَةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ في غَيْرِ العُقَلاءِ تَجِيءُ بِالألِفِ والتّاءِ؛ ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ﴾؛ أيْ: أوْجَبَهُ عَلى نَفْسِهِ بِالإحْرامِ فِيهِنَّ؛ أوْ بِالتَّلْبِيَةِ؛ أوْ بِسَوْقِ الهَدْيِ؛ ﴿فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ﴾؛ أيْ: لا جِماعَ؛ أوْ: فَلا فُحْشَ مِنَ الكَلامِ؛ ولا خُرُوجَ مِن حُدُودِ الشَّرْعِ بِارْتِكابِ المَحْظُوراتِ؛ وقِيلَ: بِالسِّبابِ؛ والتَّنابُزِ بِالألْقابِ؛ ﴿وَلا جِدالَ﴾؛ أيْ: لا مِراءَ مَعَ الخَدَمِ؛ والرُّفْقَةِ؛ ﴿فِي الحَجِّ﴾؛ أيْ في أيّامِهِ؛ والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِإظْهارِ كَمالِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِهِ؛ والإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ؛ فَإنَّ زِيارَةَ البَيْتِ المُعَظَّمِ؛ والتَّقَرُّبَ بِها إلى اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - مِن مُوجِباتِ تَرْكِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ؛ وإيثارُ النَّفْيِ لِلْمُبالَغَةِ في النَّهْيِ؛ والدَّلالَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِألّا يَكُونُ؛ فَإنَّ ما كانَ مُنْكَرًا مُسْتَقْبَحًا في نَفْسِهِ فَفي تَضاعِيفِ الحَجِّ أقْبَحُ؛ كَلُبْسِ الحَرِيرِ في الصَّلاةِ؛ والتَّطْرِيبِ بِقِراءَةِ القرآن؛ لِأنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضى الطَّبْعِ؛ والعادَةِ؛ إلى مَحْضِ العِبادَةِ؛ وقُرِئَ الأوَّلانِ بِالرَّفْعِ؛ عَلى مَعْنى: لا يَكُونَنَّ رَفَثٌ؛ ولا فُسُوقٌ؛ والثّالِثُ بِالفَتْحِ؛ عَلى مَعْنى الإخْبارِ بِانْتِفاءِ الخِلافِ في الحَجِّ؛ وذَلِكَ أنَّ قُرَيْشًا كانَتْ تُخالِفُ سائِرَ العَرَبِ؛ فَتَقِفُ بِالمَشْعَرِ الحَرامِ؛ فارْتَفَعَ الخِلافُ بِأنْ أُمِرُوا بِأنْ يَقِفُوا أيْضًا بِعَرَفاتٍ؛ ﴿وَما تَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾؛ فَيَجْزِيَ بِهِ خَيْرَ جَزاءٍ؛ وهو حَثٌّ عَلى فِعْلِ الخَيْرِ؛ إثْرَ النَّهْيِ عَنِ الشَّرِّ؛ ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾؛ أيْ: تَزَوَّدُوا لِمَعادِكُمُ التَّقْوى؛ فَإنَّهُ خَيْرُ زادٍ؛ وقِيلَ: نَزَلَتْ في أهْلِ اليَمَنِ؛ كانُوا يَحُجُّونَ؛ ولا يَتَزَوَّدُونَ؛ ويَقُولُونَ (p-208)نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ؛ فَيَكُونُونَ كَلًّا عَلى النّاسِ؛ فَأُمِرُوا أنْ يَتَزَوَّدُوا؛ ويَتَّقُوا الإبْرامَ في السُّؤالِ؛ والتَّثْقِيلَ عَلى النّاسِ؛ ﴿واتَّقُونِ يا أُولِي الألباب﴾؛ فَإنَّ قَضِيَّةَ اللُّبِّ اسْتِشْعارُ خَشْيَةِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ وتَقْواهُ؛ حَثَّهم عَلى التَّقْوى؛ ثُمَّ أمَرَهم بِأنْ يَكُونَ المَقْصُودُ بِذَلِكَ هو اللَّهُ (تَعالى)؛ فَيَتَبَرَّؤُوا مِن كُلِّ شَيْءٍ سِواهُ؛ وهو مُقْتَضى العَقْلِ؛ المُعَرّى عَنْ شَوائِبِ الهَوى؛ فَلِذَلِكَ خُصَّ بِهَذا الخِطابِ أُولُو الألباب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب