الباحث القرآني

﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: جُمْلَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ؛ وارِدَةٌ لِتَقْرِيرِ ما قَبْلَها؛ بِطَرِيقِ التَّصْوِيرِ؛ وفِيها مُضافٌ قَدْ حُذِفَ لِدَلالَةِ "مَثَلُ" عَلَيْهِ؛ ووَضْعُ المَوْصُولِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرّاجِعِ إلى ما يَرْجِعُ إلَيْهِ الضَّمائِرُ السّابِقَةُ؛ لِذَمِّهِمْ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ؛ ولِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ ما أثْبَتَ لَهم مِنَ الحُكْمِ؛ والتَّقْدِيرُ: مَثَلُ ذَلِكَ القائِلِ؛ وحالِهِ الحَقِيقَةِ لِغَرابَتِها بِأنْ تُسَمّى "مَثَلًا"؛ وتَسِيرَ في الآفاقِ فِيما ذُكِرَ مِن دَعْوَتِهِ إيّاهم إلى اتِّباعِ الحَقِّ؛ وعَدَمِ رَفْعِهِمْ إلَيْهِ رَأْسًا؛ لِانْهِماكِهِمْ في التَّقْلِيدِ؛ وإخْلادِهِمْ إلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الضَّلالَةِ؛ وعَدَمِ فَهْمِهِمْ مِن جِهَةِ الدّاعِي إلى الدُّعاءِ؛ مِن غَيْرِ أنْ يُلْقُوا أذْهانَهم إلى ما يُلْقى عَلَيْهِمْ؛ ﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إلا دُعاءً ونِداءً﴾؛ مِنَ البَهائِمِ؛ فَإنَّها لا تَسْمَعُ إلّا صَوْتَ الرّاعِي؛ وهَتْفَهُ بِها؛ مِن غَيْرِ فَهْمٍ لِكَلامِهِ أصْلًا؛ وقِيلَ: إنَّما حُذِفَ المُضافُ مِنَ المَوْصُولِ الثّانِي لِدَلالَةِ كَلِمَةِ "ما" عَلَيْهِ؛ فَإنَّها عِبارَةٌ عَنْهُ؛ مُشْعِرَةٌ مَعَ ما في حَيِّزِ الصِّلَةِ بِما هو مَدارُ التَّمْثِيلِ؛ أيْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيما ذُكِرَ مِنَ انْهِماكِهِمْ فِيما هم فِيهِ؛ وعَدَمِ التَّدَبُّرِ فِيما أُلْقِيَ إلَيْهِمْ مِنَ الآياتِ؛ كَمَثَلِ بِهائِمِ الَّذِي يَنْعِقُ بِها؛ وهي لا تَسْمَعُ مِنهُ إلّا جَرْسَ النَّغْمَةِ؛ ودَوِيَّ الصَّوْتِ؛ وقِيلَ: المُرادُ تَمْثِيلُهم في اتِّباعِ آبائِهِمْ عَلى ظاهِرِ حالِهِمْ جاهِلِينَ بِحَقِيقَتِها؛ بِالبَهائِمِ الَّتِي تَسْمَعُ الصَّوْتَ؛ ولا تَفْهَمُ ما تَحْتَهُ؛ وقِيلَ: تَمْثِيلُهم في دُعائِهِمُ الأصْنامَ بِالنّاعِقِ في نَعْقِهِ؛ وهو تَصْوِيتُهُ عَلى البَهائِمِ؛ وهَذا غَنِيٌّ عَنِ الإضْمارِ؛ لَكِنْ لا يُساعِدُهُ قَوْلُهُ: ﴿إلا دُعاءً ونِداءً﴾؛ فَإنَّ الأصْنامَ بِمَعْزِلٍ مِن ذَلِكَ؛ وقَدْ عَرَفْتَ أنَّ حُسْنَ التَّمْثِيلِ فِيما تَشابَهَ أفْرادُ الطَّرَفَيْنِ؛ ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾؛ بِالرَّفْعِ؛ عَلى الذَّمِّ؛ أيْ: هم صُمٌّ.. إلَخْ.. ﴿فَهم لا يَعْقِلُونَ﴾؛ شَيْئًا؛ لِأنَّ طَرِيقَ التَّعَقُّلِ هو التَّدَبُّرُ في مَبادِي الأُمُورِ المَعْقُولَةِ؛ والتَّأمُّلُ في تَرْتِيبِها؛ وذَلِكَ إنَّما يَحْصُلُ بِاسْتِماعِ آياتِ اللَّهِ؛ ومُشاهَدَةِ حُجَجِهِ الواضِحَةِ؛ والمُفاوَضَةِ مَعَ مَن يُؤْخَذُ مِنهُ العُلُومُ؛ فَإذا كانُوا صُمًّا؛ بُكْمًا؛ عُمْيًا؛ فَقَدِ انْسَدَّ عَلَيْهِمْ أبْوابُ التَّعَقُّلِ؛ وطُرُقُ الفَهْمِ بِالكُلِّيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب