الباحث القرآني

(p-182)﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾: قِيلَ: نَزَلَتْ في أحْبارِ اليَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا ما في التَّوْراةِ مِن نُعُوتِ النَّبِيِّ ﷺ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأحْكامِ؛ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ ومُجاهِدٍ؛ وقَتادَةَ؛ والحَسَنِ؛ والسُّدِّيِّ؛ والرَّبِيعِ؛ والأصَمِّ؛ أنَّها نَزَلَتْ في أهْلِ الكِتابِ مِنَ اليَهُودِ؛ والنَّصارى؛ وقِيلَ: نَزَلَتْ في كُلِّ مَن كَتَمَ شَيْئًا مِن أحْكامِ الدِّينِ؛ لِعُمُومِ الحُكْمِ لِلْكُلِّ؛ والأقْرَبُ هو الأوَّلُ؛ فَإنَّ عُمُومَ الحُكْمِ لا يَأْبى خُصُوصَ السَّبَبِ. والكَتْمُ؛ والكِتْمانَ: تَرْكُ إظْهارِ الشَّيْءِ قَصْدًا؛ مَعَ مِساسِ الحاجَةِ إلَيْهِ وتَحَقُّقِ الدّاعِي إلى إظْهارِهِ؛ وذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ سَتْرِهِ؛ وإخْفائِهِ؛ وقَدْ يَكُونُ بِإزالَتِهِ؛ ووَضْعِ شَيْءٍ آخَرَ في مَوْضِعِهِ؛ وهو الَّذِي فَعَلَهُ هَؤُلاءِ؛ ﴿ما أنْزَلْنا مِنَ البَيِّناتِ﴾؛ مِنَ الآياتِ الواضِحَةِ الدّالَّةِ عَلى أمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ ﴿والهُدى﴾؛ أيْ: والآياتِ الهادِيَةِ إلى كُنْهِ أمْرِهِ؛ ووُجُوبِ اتِّباعِهِ؛ والإيمانِ بِهِ؛ عَبَّرَ عَنْها بِالمَصْدَرِ مُبالَغَةً؛ ولَمْ يَجْمَعْ؛ مُراعاةً لِلْأصْلِ؛ وهي المُرادَةُ بِالبَيِّناتِ أيْضًا؛ والعَطْفُ لِتَغايُرِ العُنْوانِ؛ كَما في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿هُدًى لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ﴾؛ إلَخْ.. وقِيلَ: المُرادُ بِالهُدى الأدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ؛ ويَأْباهُ الإنْزالُ والكَتْمُ؛ ﴿مِن بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ﴾: مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَكْتُمُونَ"؛ والمُرادُ بِالنّاسِ: الكُلُّ؛ لا الكاتِمُونَ فَقَطْ؛ واللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "بَيَّنّاهُ"؛ وكَذا الظَّرْفُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فِي الكِتابِ﴾؛ فَإنَّ تَعَلُّقَ جارَّيْنِ بِفِعْلٍ واحِدٍ؛ عِنْدَ اخْتِلافِ المَعْنى؛ مِمّا لا رَيْبَ في جَوازِهِ؛ أوِ الأخِيرُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن مَفْعُولِهِ؛ أيْ: كائِنًا في الكِتابِ؛ وتَبْيِينُهُ لَهُمْ: تَلْخِيصُهُ؛ وإيضاحُهُ؛ بِحَيْثُ يَتَلَقّاهُ كُلُّ أحَدٍ مِنهم مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ وهَذا عُنْوانٌ مُغايِرٌ لِكَوْنِهِ بَيِّنًا في نَفْسِهِ؛ و"هُدًى": مُؤَكِّدٌ لِقُبْحِ الكَتْمِ؛ أوْ تَفْهِيمُهُ لَهم بِواسِطَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ والأوَّلُ أنْسَبُ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فِي الكِتابِ﴾؛ والمُرادُ بِكَتْمِهِ: إزالَتُهُ؛ ووَضْعُ غَيْرِهِ في مَوْضِعِهِ؛ فَإنَّهم مَحَوْا نْعَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ وكَتَبُوا مَكانَهُ ما يُخالِفُهُ؛ كَما ذَكَرْناهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - عَزَّ وعَلا -: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ﴾؛ إلَخْ.. ﴿أُولَئِكَ﴾: إشارَةٌ إلَيْهِمْ بِاعْتِبارِ ما وُصِفُوا بِهِ؛ لِلْإشْعارِ بِعِلِّيَّتِهِ لِما حاقَ بِهِمْ؛ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ؛ لِلْإيذانِ بِتَرامِي أمْرِهِمْ؛ وبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في الفَسادِ؛ ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: يَطْرُدُهم ويُبْعِدُهم مِن رَحْمَتِهِ؛ والِالتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ بِإظْهارِ اسْمِ الذّاتِ الجامِعِ لِلصِّفاتِ؛ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ؛ وإدْخالِ الرَّوْعَةِ؛ والإشْعارِ بِأنَّ مَبْدَأ صُدُورِ اللَّعْنِ عَنْهُ - سُبْحانَهُ - صِفَةُ الجَلالِ؛ المُغايِرَةُ لِما هو مَبْدَأُ الإنْزالِ والتَّبْيِينِ مِن وصْفِ الجَمالِ والرَّحْمَةِ؛ ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ﴾؛ أيْ: الَّذِينَ يَتَأتّى مِنهُمُ اللَّعْنُ؛ أيْ: الدُّعاءُ عَلَيْهِمْ بِاللَّعْنِ؛ مِنَ المَلائِكَةِ؛ ومُؤْمِنِي الثَّقَلَيْنِ؛ والمُرادُ بَيانُ دَوامُ اللَّعْنِ؛ واسْتِمْرارُهُ؛ وعَلَيْهِ يَدُورُ الِاسْتِثْناءُ المُتَّصِلُ في
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب