الباحث القرآني

﴿وَلا تَقُولُوا﴾ عَطْفٌ عَلى "اسْتَعِينُوا.."؛ إلَخْ.. مَسُوقٌ لِبَيانِ أنْ لا غائِلَةَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ؛ وأنَّ الشَّهادَةَ الَّتِي رُبَّما يُؤَدِّي إلَيْها الصَّبْرُ حَياةٌ أبَدِيَّةٌ؛ ﴿لِمَن يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتٌ﴾؛ أيْ: هم أمْواتٌ؛ ﴿بَلْ أحْياءٌ﴾؛ أيْ: بَلْ هم أحْياءٌ؛ ﴿وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ بِحَياتِهِمْ؛ وفِيهِ رَمْزٌ إلى أنَّها لَيْسَتْ مِمّا يُشْعَرُ بِهِ بِالمَشاعِرِ الظّاهِرَةِ مِنَ الحَياةِ الجُسْمانِيَّةِ؛ وإنَّما هي أمْرٌ رُوحانِيٌّ؛ لا يُدْرَكُ بِالعَقْلِ؛ بَلْ بِالوَحْيِ؛ وعَنِ الحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنَّ الشُّهَداءَ أحْياءٌ عِنْدَ اللَّهِ (تَعالى)؛ تُعْرَضُ أرْزاقُهم عَلى أرْواحِهِمْ؛ فَيَصِلُ إلَيْهِمُ الرَّوْحُ والفَرَحُ؛ كَما تُعْرَضُ النّارُ عَلى آلِ فِرْعَوْنَ غُدُوًّا وعَشِيًّا؛ فَيَصِلُ إلَيْهِمُ الألَمُ؛ والوَجَعُ. قُلْتُ: رَأيْتُ في المَنامِ؛ سَنَةَ (p-180)تِسْعٍ وثَلاثِينَ وتِسْعِمائَةٍ؛ أنِّي أزُورُ قُبُورَ شُهَداءِ أُحُدٍ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهم أجْمَعِينَ - وأنا أتْلُو هَذِهِ الآيَةَ؛ وما في سُورَةِ "آلِ عِمْرانَ"؛ وأُرَدِّدُهُما مُتَفَكِّرًا في أمْرِهِمْ؛ وفي نَفْسِي أنَّ حَياتَهم رُوحانِيَّةٌ؛ لا جُسْمانِيَّةٌ؛ فَبَيْنَما أنا عَلى ذَلِكَ إذْ رَأيْتُ شابًّا مِنهم قاعِدًا في قَبْرِهِ؛ تامَّ الجَسَدِ؛ كامِلَ الخِلْقَةِ؛ في أحْسَنِ ما يَكُونُ مِنَ الهَيْئَةِ والمَنظَرِ؛ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللِّباسِ؛ قَدْ بَدا مِنهُ ما فَوْقَ السُّرَّةِ؛ والباقِي في القَبْرِ؛ خَلا أنِّي أعْلَمُ يَقِينًا أنَّ ذَلِكَ أيْضًا كَما ظَهَرَ؛ وإنَّما لا يَظْهَرُ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً؛ فَنَظَرْتُ إلى وجْهِهِ؛ فَرَأيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيَّ مُبْتَسِمًا؛ كَأنَّهُ يُنَبِّهُنِي عَلى أنَّ الأمْرَ بِخِلافِ رَأْيِي؛ فَسُبْحانَ مَن عَلَتْ كَلِمَتُهُ؛ وجَلَّتْ حِكْمَتُهُ؛ وقِيلَ: الآيَةُ نَزَلَتْ في شُهَداءِ بَدْرٍ؛ وكانُوا أرْبَعَةَ عَشَرَ؛ وفِيها دَلالَةٌ عَلى أنَّ الأرْواحَ جَواهِرُ قائِمَةٌ بِأنْفُسِها؛ مُغايِرَةٌ لِما يُحَسُّ بِهِ مِنَ البَدَنِ؛ تَبْقى بَعْدَ المَوْتِ دَرّاكَةً؛ وعَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحابَةِ؛ والتّابِعِينَ - رِضْوانُ اللَّهِ (تَعالى) عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -؛ وبِهِ نَطَقَتِ الآياتُ والسُّنَنُ؛ وعَلى هَذا فَتَخْصِيصُ الشُّهَداءِ بِذَلِكَ لِما يَسْتَدْعِيهِ مَقامُ التَّحْرِيضِ عَلى مُباشَرَةِ مَبادِي الشَّهادَةِ؛ ولِاخْتِصاصِهِمْ بِمَزِيدِ القُرْبِ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وعَلا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب