﴿وَلِكُلٍّ﴾ أيْ: ولِكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ؛ عَلى أنَّ التَّنْوِينَ عِوَضٌ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ؛ ﴿وِجْهَةٌ﴾؛ أيْ: قِبْلَةٌ؛ وقَدْ قُرِئَ كَذَلِكَ؛ أوْ لِكُلِّ قَوْمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ جانِبٌ مِن جَوانِبِ الكَعْبَةِ؛ ﴿هُوَ مُوَلِّيها﴾: أحَدُ المَفْعُولَيْنِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: مُوَلِّيها وجْهَهُ؛ أوْ: اللَّهُ مَوَلِّيها إيّاهُ؛ وقُرِئَ: "وَلِكُلِّ وِجْهَةٍ"؛ بِالإضافَةِ؛ والمَعْنى: ولِكُلِّ وِجْهَةٍ اللَّهُ مُوَلِّيها أهْلُها؛ واللّامُ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ؛ وجَبْرِ ضَعْفِ العامِلِ؛ وقُرِئَ: "مَوْلاها"؛ أيْ: مَوْلى تِلْكَ الجِهَةِ؛ قَدْ ولِيَها؛ ﴿فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ﴾؛ أيْ: تَسابَقُوا إلَيْها؛ بِنَزْعِ الجارِّ؛ كَما في قَوْلِهِ:
؎ ثَنائِي عَلَيْكم آلَ حَرْبٍ ومَن يَمِلْ ∗∗∗ سِواكم فَإنِّي مُهْتَدٍ غَيْرُ مائِلِ
وَهُوَ أبْلَغُ مِنَ الأمْرِ بِالمُسارَعَةِ؛ لِما فِيهِ مِنَ الحَثِّ عَلى إحْرازِ قَصَبِ السَّبْقِ؛ والمُرادُ بِـ "الخَيْراتِ": جَمِيعُ أنْواعِها؛ مِن أمْرِ القِبْلَةِ؛ وغَيْرِهِ؛ مِمّا يُنالُ بِهِ سَعادَةُ الدّارَيْنِ؛ أوِ الفاضِلاتُ مِنَ الجِهاتِ؛ وهي المُسامِتَةُ لِلْكَعْبَةِ؛ ﴿أيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾: أيْ: في أيِّ مَوْضِعٍ تَكُونُوا مِن مُوافِقٍ؛ أوْ مُخالِفٍ؛ مُجْتَمِعِ الأجْزاءِ؛ أوْ مُتَفَرِّقِها؛ يَحْشُرْكُمُ اللَّهُ (تَعالى) إلى المَحْشَرِ؛ لِلْجَزاءِ؛ أوْ: أيْنَما تَكُونُوا مِن أعْماقِ الأرْضِ؛ وقُلَلِ الجِبالِ؛ يَقْبِضْ أرْواحَكُمْ؛ أوْ: أيْنَما تَكُونُوا مِنَ الجِهاتِ المُخْتَلِفَةِ؛ المُتَقابِلَةِ؛ يَجْعَلْ صَلَواتِكم كَأنَّها صَلاةٌ إلى جِهَةٍ واحِدَةٍ؛ ﴿إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ فَيَقْدِرُ عَلى الإماتَةِ؛ والإحْياءِ؛ والجَمْعِ؛ فَهو تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمِ السّابِقِ.
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}