الباحث القرآني
﴿وَإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا﴾: بَيانٌ لِتَبايُنِ أحْوالِهِمْ؛ وتَناقُضِ أقْوالِهِمْ في أثْناءِ المُعامَلَةِ والمُخاطَبَةِ؛ حَسَبَ تَبايُنِ المُخاطَبِينَ؛ ومَساقِ ما صُدِّرَتْ بِهِ قِصَّتُهُمْ؛ لِتَحْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ؛ والتَّرْجَمَةِ عَنْ نِفاقِهِمْ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يُتَعَرَّضْ هَهُنا لِمُتَعَلَّقِ الإيمانِ؛ فَلَيْسَ فِيهِ شائِبَةُ التَّكْرِيرِ؛ رُوِيَ «أنَّ عَبَدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ؛ وأصْحابَهُ خَرَجُوا ذاتَ يَوْمٍ؛ فاسْتَقْبَلَهم نَفَرٌ مِنَ الصَّحابَةِ؛ فَقالَ ابْنُ أُبَيٍّ: انْظُرُوا كَيْفَ أرُدُّ هَؤُلاءِ السُّفَهاءِ عَنْكُمْ؛ فَلَمّا دَنَوْا مِنهم أخَذَ بِيَدِ أبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقالَ: مَرْحَبًا بِالصِّدِّيقِ؛ سَيِّدِ بَنِي تَمِيمٍ؛ وشَيْخِ الإسْلامِ؛ وثانِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الغارِ؛ الباذِلِ نَفْسَهُ؛ ومالَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ؛ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقالَ: مَرْحَبًا بِسَيِّدِ بَنِي عَدِيٍّ؛ الفارُوقِ؛ القَوِيِّ في دِينِهِ؛ الباذِلِ نَفْسَهُ ومالَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ - فَقالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ وخَتَنِهِ؛ وسَيِّدِ بَنِي هاشِمٍ؛ ما خَلا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؛ فَنَزَلَتْ؛ وقِيلَ: قالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا عَبْدَ اللَّهِ؛ اتَّقِ اللَّهَ؛ ولا تُنافِقْ؛ فَإنَّ المُنافِقِينَ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ (تَعالى)؛ فَقالَ لَهُ: مَهْلًا يا أبا الحَسَنِ؛ أفِيَّ تَقُولُ هَذا؟ واللَّهِ إنَّ إيمانَنا كَإيمانِكُمْ؛ وتَصْدِيقَنا كَتَصْدِيقِكُمْ؛ ثُمَّ افْتَرَقُوا؛ فَقالَ ابْنُ أُبَيٍّ لِأصْحابِهِ: كَيْفَ رَأيْتُمُونِي فَعَلْتُ؟ فَإذا رَأيْتُمُوهم فافْعَلُوا مِثْلَ ما فَعَلْتُ؛ فَأثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا؛ وقالُوا: ما نَزالُ بِخَيْرٍ ما عِشْتَ فِينا؛ فَرَجَعَ المُسْلِمُونَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأخْبَرُوهُ بِذَلِكَ؛ فَنَزَلَتْ.» واللِّقاءُ: المُصادَفَةُ؛ يُقالُ: لَقِيتُهُ؛ ولاقَيْتُهُ؛ أيْ: صادَفْتُهُ واسْتَقْبَلْتُهُ؛ وقُرِئَ: "إذا لاقَوْا".
﴿وَإذا خَلَوْا﴾: مِن خَلَوْتُ إلى فُلانٍ؛ أيِ انْفَرَدْتُ مَعَهُ؛ وقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِالباءِ؛ أوْ مِن "خَلا" بِمَعْنى مَضى؛ ومِنهُ: القُرُونُ الخالِيَةُ؛ وقَوْلُهُمْ: خَلاكَ ذَمٌّ؛ أيْ: جاوَزَكَ ومَضى عَنْكَ؛ وقَدْ جُوِّزَ كَوْنُهُ مِن "خَلَوْتُ بِهِ"؛ إذا سَخِرْتُ مِنهُ؛ عَلى أنَّ تَعْدِيَتَهُ بِـ "إلى" في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إلى شَياطِينِهِمْ﴾؛ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الإنْهاءِ؛ أيْ: وإذا أنْهَوْا إلَيْهِمُ السُّخْرِيَةَ.. إلَخْ.. وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ تَقْيِيدَ قَوْلِهِمُ المَحْكِيِّ بِذَلِكَ الإنْهاءِ مِمّا لا وجْهَ لَهُ؛ والمُرادُ بِـ "شَياطِينِهِمْ": المُماثِلُونَ مِنهم لِلشَّيْطانِ في التَّمَرُّدِ والعِنادِ؛ المُظْهِرُونَ لِكُفْرِهِمْ؛ وإضافَتُهم إلَيْهِمْ لِلْمُشارَكَةِ في الكُفْرِ؛ أوْ كِبارُ المُنافِقِينَ؛ والقائِلُونَ؛ صِغارُهُمْ؛ وجَعَلَ سِيبَوَيْهِ نُونَ الشَّيْطانِ تارَةً أصْلِيَّةً؛ فَوَزْنُهُ "فَيْعالٌ"؛ عَلى أنَّهُ مِن "شَطَنَ"؛ إذا بَعُدَ؛ فَإنَّهُ بَعِيدٌ مِنَ الخَيْرِ والرَّحْمَةِ؛ ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ: تَشَيْطَنَ؛ وأُخْرى زائِدَةً؛ فَوَزْنُهُ "فَعْلانٌ"؛ عَلى أنَّهُ مِن "شاطَ"؛ أيْ: هَلَكَ؛ أوْ بَطَلَ؛ ومِن أسْمائِهِ الباطِلُ؛ وقِيلَ: مَعْناهُ: هاجَ واحْتَرَقَ.
﴿قالُوا إنّا مَعَكُمْ﴾؛ أيْ في الدِّينِ والِاعْتِقادِ؛ لا نُفارِقُكم في حالٍ مِنَ الأحْوالِ؛ وإنَّما خاطَبُوهم بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ المُؤَكِّدَةِ لِأنَّ مُدَّعاهم عِنْدَهم تَحْقِيقُ الثَّباتِ عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ؛ والتَّأْكِيدُ لِلْإنْباءِ عَنْ صِدْقِ رَغْبَتِهِمْ؛ ووُفُورِ نَشاطِهِمْ؛ لا لِإنْكارِ الشَّياطِينِ؛ بِخِلافِ مُعامَلَتِهِمْ مَعَ المُؤْمِنِينَ؛ فَإنَّهم إنَّما يَدَّعُونَ عِنْدَهم إحْداثَ الإيمانِ؛ لِجَزْمِهِمْ بَعَدَمِ رَواجِ ادِّعاءِ الكَمالِ فِيهِ؛ أوِ الثَّباتِ عَلَيْهِ؛ ﴿إنَّما نَحْنُ﴾؛ أيْ: في إظْهارِ الإيمانِ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ ﴿مُسْتَهْزِئُونَ﴾؛ بِهِمْ؛ مِن غَيْرِ أنْ يَخْطُرَ بِبالِنا الإيمانُ حَقِيقَةً؛ وهو اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ ناشِئٍ مِنَ ادِّعاءِ المَعِيَّةِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ لَهم - عِنْدَ قَوْلِهِمْ: إنّا مَعَكم -: فَما بالُكم تُوافِقُونَ المُؤْمِنِينَ في الإتْيانِ بِكَلِمَةِ الإيمانِ؟ فَقالُوا: إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ؛ فَلا يَقْدَحُ ذَلِكَ في (p-47)
كَوْنِنا مَعَكُمْ؛ بَلْ يُؤَكِّدُهُ؛ وقَدْ ضَمَّنُوا جَوابَهم أنَّهم يُهِينُونَ المُؤْمِنِينَ؛ ويَعُدُّونَ ذَلِكَ نُصْرَةً لِدِينِهِمْ؛ أوْ تَأْكِيدٌ لِما قَبْلَهُ؛ فَإنَّ المُسْتَهْزِئَ بِالشَّيْءِ مُصِرٌّ عَلى خِلافِهِ؛ أوْ بَدَلٌ مِنهُ؛ لِأنَّ مَن حَقَّرَ الإسْلامَ فَقَدْ عَظَّمَ الكُفْرَ. والِاسْتِهْزاءُ بِالشَّيْءِ: السُّخْرِيَةُ مِنهُ؛ يُقالُ: هَزَأْتُ؛ واسْتَهْزَأْتُ؛ بِمَعْنًى؛ وأصْلُهُ الخِفَّةُ مِن "الهَزْءُ"؛ وهو القَتْلُ السَّرِيعُ؛ وهَزَأ؛ يَهْزَأُ؛ ماتَ عَلى مَكانِهِ؛ وتَهْزَأُ بِهِ ناقَتُهُ أيْ تُسْرِعُ بِهِ وتَخِفُّ.
{"ayah":"وَإِذَا لَقُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡا۟ إِلَىٰ شَیَـٰطِینِهِمۡ قَالُوۤا۟ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











