الباحث القرآني

﴿تِلْكَ أُمَّةٌ﴾: مُبْتَدَأٌ؛ وخَبَرٌ؛ والإشارَةُ إلى إبْراهِيمَ؛ ويَعْقُوبَ؛ وبَنِيهِما المُوَحِّدِينَ؛ والأُمَّةُ: هي الجَماعَةُ الَّتِي تَؤُمُّها فِرَقُ النّاسِ؛ أيْ: يَقْصِدُونَها؛ ويَقْتَدُونَ بِها؛ ﴿قَدْ خَلَتْ﴾: صِفَةٌ لِلْخَبَرِ؛ أيْ: مَضَتْ بِالمَوْتِ؛ وانْفَرَدَتْ عَمَّنْ عَداها؛ وأصْلُهُ: صارَتْ إلى الخَلاءِ؛ وهي الأرْضُ الَّتِي لا أنِيسَ بِها؛ ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾: جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ؛ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ؛ أوْ صِفَةٌ أُخْرى لِـ "أُمَّةٌ"؛ أوْ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في "خَلَتْ"؛ و"ما" مَوْصُولَةٌ؛ أوْ مَوْصُوفَةٌ؛ والعائِدُ إلَيْها مَحْذُوفٌ؛ أيْ: لَها ما كَسَبَتْهُ مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ المَحْكِيَّةِ؛ تَتَخَطّاها إلى غَيْرِها؛ فَإنَّ تَقْدِيمَ المُسْنَدِ يُوجِبُ قَصْرَ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَيْهِ؛ كَما هو المَشْهُورُ؛ ﴿وَلَكم ما كَسَبْتُمْ﴾: عَطْفٌ عَلى نَظِيرَتِها؛ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ؛ وجُمْلَةٌ مُبْتَدَأةٌ؛ عَلى الوَجْهَيْنِ الأخِيرَيْنِ؛ إذْ لا رابِطَ فِيها؛ ولا بُدَّ مِنهُ في الصِّفَةِ؛ ولا مُقارَنَةَ في الزَّمانِ؛ ولا بُدَّ مِنها في الحالِ؛ أيْ: لَكم ما كَسَبْتُمُوهُ؛ لا ما كَسَبَهُ غَيْرُكُمْ؛ فَإنَّ تَقْدِيمَ المُسْنَدِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ قَصْرُهُ عَلى المُسْنَدِ إلَيْهِ؛ كَما قِيلَ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لَكم دِينُكم ولِيَ دِينِ﴾؛ أيْ: ولِيَ دِينِي لا دِينُكُمْ؛ وحَمْلُ الجُمْلَةِ الأُولى عَلى هَذا القَصْرِ عَلى مَعْنى أنَّ أُولَئِكَ لا يَنْفَعُهم إلّا ما اكْتَسَبُوا؛ كَما قِيلَ؛ مِمّا لا يُساعِدُهُ المَقامُ؛ إذْ لا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ انْتِفاعَهم بِكَسْبِ هَؤُلاءِ حَتّى يُحْتاجَ إلى بَيانِ امْتِناعِهِ؛ وإنَّما الَّذِي يُتَوَهَّمُ انْتِفاعُ هَؤُلاءِ بِكَسْبِهِمْ؛ فَبَيَّنَ امْتِناعَهُ بِأنَّ أعْمالَهُمُ الصّالِحَةَ مَخْصُوصَةٌ بِهِمْ؛ لا تَتَخَطّاهم إلى غَيْرِهِمْ؛ ولَيْسَ لِهَؤُلاءِ إلّا ما كَسَبُوا؛ فَلا يَنْفَعُهُمُ انْتِسابُهم إلَيْهِمْ؛ وإنَّما يَنْفَعُهُمُ اتِّباعُهم لَهم في الأعْمالِ؛ كَما قالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: « "يا بَنِي هاشِمَ لا يَأْتِيَنِّي النّاسُ بِأعْمالِهِمْ وتَأْتُونِي بِأنْسابِكُمْ".» ﴿وَلا تُسْألُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾: إنْ أُجْرِيَ السُّؤالُ عَلى ظاهِرِهِ فالجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ ما مَرَّ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ؛ تَقْرِيرًا ظاهِرًا؛ وإنْ أُرِيدَ بِهِ مُسَبِّبُهُ - أعْنِي الجَزاءَ - فَهو تَتْمِيمٌ لِما سَبَقَ؛ جارٍ مُجْرى النَّتِيجَةِ لَهُ؛ وأيًّا ما كانَ؛ فالمُرادُ تَخْيِيبُ المُخاطَبِينَ؛ وقَطْعُ أطْماعِهِمُ الفارِغَةِ عَنْ الِانْتِفاعِ بِحَسَناتِ الأُمَّةِ الخالِيَةِ؛ وإنَّما أُطْلِقَ العَمَلُ لِإثْباتِ الحُكْمِ بِالطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ في ضِمْنِ قاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ؛ هَذا وقَدْ جُعِلَ السُّؤالُ عِبارَةً عَنِ المُؤاخَذَةِ؛ والمَوْصُولُ عَنِ السَّيِّئاتِ؛ فَقِيلَ: أيْ: لا تُؤاخَذُونَ بِسَيِّئاتِهِمْ؛ كَما لا تُثابُونَ بِحَسَناتِهِمْ؛ ولا رَيْبَ في أنَّهُ مِمّا لا يَلِيقُ بِشَأْنِ التَّنْزِيلِ؛ كَيْفَ لا.. وهم مُنَزَّهُونَ مِن كَسْبِ السَّيِّئاتِ؟ فَمِن أيْنَ يُتَصَوَّرُ تَحْمِيلُها عَلى غَيْرِهِمْ حَتّى يُتَصَدّى لِبَيانِ انْتِفاعِهِ؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب