الباحث القرآني

﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي (p-279)كَفَرَ بِآياتِنا﴾ أيْ: بِآياتِنا الَّتِي مِن جُمْلَتِها آياتُ البَعْثِ. نَزَلَتْ في العاصِ بْنِ وائِلٍ، كانَ لِخَبّابِ بْنِ الأرَتِّ عَلَيْهِ مالٌ فاقْتَضاهُ، فَقالَ: لا حَتّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قالَ: لا واللَّهِ لا أكْفُرُ بِهِ حَيًّا ولا مَيِّتًا ولا حِينَ بُعِثْتُ. قالَ: فَإذا بُعِثْتُ جِئْنِي فَيَكُونَ لِي ثَمَّةَ مالٌ ووَلَدٌ، فَأُعْطِيَكَ. وفي رِوايَةٍ قالَ: لا أكْفُرُ بِهِ حَتّى يُمِيتَكَ، ثُمَّ تُبْعَثَ. فَقالَ: إنِّي لَمَيِّتٌ، ثُمَّ مَبْعُوثٌ. قالَ: نَعَمْ. قالَ: دَعْنِي حَتّى أمُوتَ، وأُبْعَثَ فَسَأُوتى مالًا ووَلَدًا فَأقْضِيَكَ، فَنَزَلَتْ. فالهَمْزَةُ لِلتَّعْجِيبِ مِن حالِهِ والإيذانِ بِأنَّها مِنَ الغَرابَةِ والشَّناعَةِ بِحَيْثُ يَجِبُ أنْ تُرى، ويُقْضى مِنها العَجَبُ. ومَن فَرَّقَ بَيْنَ "ألَمْ تَرَ" و "أرَأيْتَ" بَعْدَ بَيانِ اشْتِراكِهِما في الِاسْتِعْمالِ لِقَصْدِ التَّعْجِيبِ بِأنَّ الأوَّلَ: يُعَلَّقُ بِنَفْسِ المُتَعَجِّبِ مِنهُ. فَيُقالُ: ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي صَنَعَ كَذا، بِمَعْنى انْظُرْ إلَيْهِ فَتَعَجَّبْ مِن حالِهِ، والثّانِي: يُعَلَّقُ بِمِثْلِ المُتَعَجَّبِ مِنهُ. فَيُقالُ: أرَأيْتَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ كَذا، بِمَعْنى أنَّهُ مِنَ الغَرابَةِ بِحَيْثُ لا يُرى لَهُ مِثْلٌ فَقَدْ حَفِظَ شَيْئًا، وغابَتْ عَنْهُ أشْياءُ، وكَأنَّهُ ذَهَبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ . و "الفاءُ" لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ، أيْ: أنَظَرْتَ فَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا الباهِرَةِ الَّتِي حَقُّها أنْ يُؤْمِنَ بِها كُلُّ مَن يُشاهِدُها. ﴿وَقالَ﴾ مُسْتَهْزِئًا بِها مُصَدِّرٌ لِكَلامِهِ بِاليَمِينِ الفاجِرَةِ، واللَّهِ ﴿لأُوتَيَنَّ﴾ في الآخِرَةِ ﴿مالا ووَلَدًا﴾ أيِ: انْظُرْ إلَيْهِ فَتَعَجَّبْ مِن حالَتِهِ البَدِيعَةِ، وجَراءَتِهِ الشَّنِيعَةِ هَذا هو الَّذِي يَسْتَدْعِيهِ جَزالَةُ النَّظْمِ الكَرِيمِ. وقَدْ قِيلَ: إنَّ أرَأيْتَ بِمَعْنى أخْبِرْ. و "الفاءُ" عَلى أصْلِها. والمَعْنى: أخْبِرْ بِقِصَّةِ هَذا الكافِرِ عَقِيبَ حَدِيثِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قالُوا، أىُّ: ﴿الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا﴾ ... الآيَةَ. وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ المَشْهُورَ اسْتِعْمالُ أرَأيْتَ في مَعْنى أخْبَرَنِي بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهامِ جارِيًا عَلى أصْلِهِ، أوْ مُخْرَجًا إلى ما يُناسِبُهُ مِنَ المَعانِي لا بِطْرِيقِ الأمْرِ بِالإخْبارِ لِغَيْرِهِ. وقُرِئَ: (وُلْدًا) عَلى أنَّهُ جَمْعُ ولَدٍ كَأُسْدٍ جَمْعُ أسَدٍ، أوْ عَلى أنَّهُ لُغَةٌ فِيهِ كالعُرْبِ والعَرَبِ، وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب