الباحث القرآني

﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما﴾ بَيانٌ لِاسْتِحالَةِ النِّسْيانِ عَلَيْهِ تَعالى، (p-274)فَإنَّ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ السَّمَواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما، كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أنْ يَحُومَ حَوْلَ ساحَةِ سُبُحاتِهِ الغَفْلَةُ والنِّسْيانُ؟ وهو خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أوْ بَدَلٌ مِن رَبِّكَ. و "الفاءُ" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاعْبُدْهُ واصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها مِن مُوجِبِ الأمْرَيْنِ عَلى ما قَبْلَها مِن كَوْنِهِ تَعالى رَبَّ السَّمَواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما وقِيلَ: مِن كَوْنِهِ تَعالى غَيْرَ تارِكٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، أوْ غَيْرَ ناسٍ لِأعْمالِ العامِلِينَ. والمَعْنى: فَحِينَ عَرَفْتَهُ تَعالى بِما ذُكِرَ مِنَ الربوبية الكامِلَةِ فاعْبُدْهُ .. إلَخْ. فَإنَّ إيجابَ مَعْرِفَتِهِ تَعالى كَذَلِكَ لِعِبادَتِهِ مِمّا لا رَيْبَ فِيهِ، أوْ حِينَ عَرَفْتَ أنَّهُ تَعالى لا يَنْساكَ، أوْ يَنْسى أعْمالَ العامِلِينَ كائِنًا مَن كانَ، فَأقْبِلْ عَلى عِبادَتِهِ، واصْطَبِرْ عَلى مَشاقِّها، ولا تَحْزَنْ بِإبْطاءِ الوَحْيِ، وهُزُؤِ الكَفَرَةِ، فَإنَّهُ يُراقِبُكَ، ويُراعِيكَ، ويَلْطُفُ بِكَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وتَعْدِيَةُ الِاصْطِبارِ بِاللّامِ لا بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واصْطَبِرْ عَلَيْها﴾ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الثَّباتِ لِلْعِبادَةِ فِيما تُورِدُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّدائِدِ والمَشاقِّ، كَقَوْلِكَ لِلْمُبارِزِ: اصْطَبِرْ لِقَرْنِكَ، أيِ: اثْبُتْ لَهُ فِيما يُورِدُ عَلَيْكَ مِن شَدائِدِهِ. ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ السَّمِيُّ: هو الشَّرِيكُ في الِاسْمِ. والظّاهِرُ أنْ يُرادَ بِهِ هَهُنا الشَّرِيكُ في اسْمٍ خاصٍّ قَدْ عَبَّرَ عَنْهُ تَعالى بِذَلِكَ، وهو "رَبُّ السَّمَواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما" والمُرادُ بِإنْكارِ العِلْمِ ونَفْيِهِ، إنْكارُ المَعْلُومِ ونَفْيُهُ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ. فالجُمْلَةُ تَقْرِيرٌ لِما أفادَهُ الفاءُ مِن عِلِّيَّةِ رُبُوبِيَّتِهِ العامَّةِ لِوُجُوبِ عِبادَتِهِ، بَلْ لِوُجُوبِ تَخْصِيصِها بِهِ تَعالى بِبَيانِ اسْتِقْلالِهِ عَزَّ وجَلَّ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وانْتِفاءِ إطْلاقِهِ عَلى الغَيْرِ بِالكُلِّيَّةِ حَقًّا، أوْ باطِلًا. وقِيلَ: المُرادُ هو الشَّرِيكُ في الِاسْمِ الجَلِيلِ فَإنَّ المُشْرِكِينَ مَعَ غُلُوِّهِمْ في المُكابَرَةِ لَمْ يُسَمُّوا الصَّنَمَ بِالجَلالَةِ أصْلًا، وقِيلَ: هو الشَّرِيكُ في اسْمِ الإلَهِ، والمُرادُ بِالتَّسْمِيَةِ التَّسْمِيَةُ عَلى الحَقِّ. فالمَعْنى هَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا يُسَمّى بِالِاسْتِحْقاقِ إلَهًا، وأمّا التَّسْمِيَةُ عَلى الباطِلِ فَهي كَلا تَسْمِيَةٍ. فَتَقْرِيرُ الجُمْلَةِ لِوُجُوبِ العِبادَةِ بِاعْتِبارِ ما في الِاسْمَيْنِ الكَرِيمَيْنِ مِنَ الإشْعارِ بِاسْتِحْقاقِ العِبادَةِ فَتَدَبَّرْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب