﴿يَرِثُنِي﴾ صِفَةٌ لِوَلِيًّا. وقُرِئَ: هو وما عُطِفَ عَلَيْهِ بِالجَزْمِ جَوابًا لِلدُّعاءِ، أيْ: يَرِثُنِي مِن حَيْثُ العِلْمُ، والدِّينُ، والنُّبُوَّةُ. فَإنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يُورِثُونَ المالَ، قالَ ﷺ: (p-255)" «نَحْنُ مَعاشِرَ الأنْبِياءِ لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ» ". وقِيلَ: يَرِثُنِي الحُبُورَةَ. وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِبْرًا.
﴿وَيَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ﴾ يُقالُ: ورِثَهُ ووَرِثَ مِنهُ لُغَتانِ، وآلُ الرَّجُلِ خاصَّتُهُ الَّذِينَ يَؤُولُ إلَيْهِ أمْرُهم لِلْقَرابَةِ، أوِ الصُّحْبَةِ، أوِ المُوافَقَةِ في الدِّينِ. وكانَتْ زَوْجَةُ زَكَرِيّا أُخْتَ أُمِّ مَرْيَمَ، أيْ: ويَرِثُ مِنهُمُ المَلِكَ. قِيلَ: هو يَعْقُوبُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقالَ الكَلْبِيُّ، ومُقاتِلٌ: هُو َ يَعْقُوبُ بْنُ ماثانَ أخُو عِمْرانَ بْنِ ماثانَ مِن نَسْلِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وكانَ آلُ يَعْقُوبَ أخْوالَ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا. قالَ الكَلْبِيُّ: كانَ بَنُو ماثانَ رُءُوسَ بَنِي إسْرائِيلَ ومُلُوكَهُمْ، وكانَ زَكَرِيّا رَئِيسَ الأحْبارِ يَوْمَئِذٍ فَأرادَ أنْ يَرِثَهُ ولَدُهُ حُبُورَتَهُ، ويَرِثَ مِن بَنِي ماثانَ مُلْكَهم. وقُرِئَ: (وَيَرِثُ وارِثَ آلِ يَعْقُوبَ) عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ في يَرِثُ، وقُرِئَ: (أوْ يَرِثُ آل يَعْقُوبَ) بِالتَّصْغِيرِ فَفِيهِ إيماءٌ إلى وِراثَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِما يَرِثُهُ في حالَةِ صِغَرِهِ، وقُرِئَ: (وارِثٌ مِن آلِ يَعْقُوبَ) عَلى أنَّهُ فاعِلُ يَرِثُنِي عَلى طَرِيقَةِ التَّجْرِيدِ، أيْ: يَرِثُنِي بِهِ وارِثٌ. وقِيلَ: "مِن" لِلتَّبْعِيضِ إذْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ آلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْبِياءَ، ولا عُلَماءَ.
﴿واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ مَرْضِيًّا عِنْدَكَ قَوْلًا وفِعْلًا. وتَوْسِيطُ "رَبِّ" بَيْنَ مَفْعُولَيِ "اجْعَلْ" لِلْمُبالَغَةِ في الِاعْتِناءِ بِشَأْنِ ما يَسْتَدْعِيهِ.
{"ayah":"یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنۡ ءَالِ یَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِیࣰّا"}