الباحث القرآني

﴿مِن ورائِي﴾ أيْ: بَعْدَ مَوْتِي. مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الذِّهْنُ، أيْ: فِعْلَ المَوالِي مِن بَعْدِي، أوْ جَوْرَ المَوالِي. وقَدْ قُرِئَ: كَذَلِكَ، أوْ بِما في المَوالِي مِن مَعْنى الوِلايَةِ، أيْ: خِفْتُ الَّذِينَ يَلُونَ الأمْرَ مِن ورائِي لا بِخْفِتُ لِفَسادِ المَعْنى، وقُرِئَ: (وَرايَ) بِالقَصْرِ وفَتْحِ الياءِ، وقُرِئَ: (خَفَّتِ المَوالِي مِن ورائِي) أيْ: قَلُّوا وعَجَزُوا عَنِ القِيامِ بِأُمُورِ الدِّينِ بَعْدِي، أوْ خَفَّتِ المَوالِي القادِرُونَ عَلى إقامَةِ مَراسِمِ المِلَّةِ، ومَصالِحِ الأُمَّةِ. مِن خَفَّ القَوْمُ، أيِ: ارْتَحَلُوا مُسْرِعِينَ، أيْ: دَرَجُوا قُدّامِي ولَمْ يَبْقَ مِنهم مَن بِهِ تَقَوٍّ واعْتِضادٌ، فالظَّرْفُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقٌ بِخِفْتُ. ﴿وَكانَتِ امْرَأتِي عاقِرًا﴾ أيْ: لا تَلِدُ مِن حِينِ شَبابِها. ﴿فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ﴾ كِلا الجارَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِهَبْ لِاخْتِلافِ مَعْنَيَيْهِما فاللّامُ صِلَةٌ لَهُ، و "مِن" لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًا، وتَقْدِيمُ الأوَّلِ لَكَوْنِ مَدْلُولِهِ أهَمَّ عِنْدَهُ، ويَجُوزُ تَعَلُّقُ الثّانِي بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ المَفْعُولِ ولَدُنْ في الأصْلِ ظَرْفٌ بِمَعْنى أوَّلُ غايَةِ زَمانٍ، أوْ مَكانٍ، أوْ غَيْرِهِما مِنَ الذَّواتِ. وقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ في أوائِلِ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، أيْ: أعْطِنِي مِن مَحْضِ فَضْلِكَ الواسِعِ وقُدْرَتِكَ الباهِرَةِ بِطَرِيقِ الِاخْتِراعِ لا بِواسِطَةِ الأسْبابِ العادِيَّةِ. ﴿وَلِيًّا﴾ أيْ: ولَدًا مِن صُلْبِي. وتَأْخِيرُهُ عَنِ الجارَّيْنِ لِإظْهارِ كَمالِ الِاعْتِناءِ بِكَوْنِ الهِبَةِ لَهُ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ البَدِيعِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، فَإنَّ ما حَقُّهُ التَّقْدِيمُ إذا أُخِّرَ تَبْقى النَّفْسُ مُسْتَشْرِفَةً، فَعِنْدَ وُرُودِهِ لَها يَتَمَكَّنُ عِنْدَها فَضْلَ تَمَكُّنٍ، ولِأنَّ فِيهِ نَوْعَ طُولٍ بِما بَعْدَهُ مِنَ الوَصْفِ فَتَأْخِيرُهُما عَنِ الكُلِّ، أوْ تَوْسِيطُهُما بَيْنَ المَوْصُوفِ والصِّفَةِ مِمّا لا يَلِيقُ بِجَزالَةِ النَّظْمِ الكَرِيمِ. و "الفاءُ" لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها فَإنَّ ما ذَكَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن كِبَرِ السِّنِّ، وضَعْفِ القُوى، وعُقْرِ المَرْأةِ مُوجِبٌ لِانْقِطاعِ رَجائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ حُصُولِ الوَلَدِ بِتَوَسُّطِ الأسْبابِ العادِيَّةِ، واسْتِيهابِهِ عَلى الوَجْهِ الخارِقِ لِلْعادَةِ، ولا يَقْدَحُ في ذَلِكَ أنْ يَكُونَ هُناكَ داعٍ آخَرَ إلى الإقْبالِ عَلى الدُّعاءِ المَذْكُورِ مِن مُشاهَدَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْخَوارِقِ الظّاهِرَةِ في حَقِّ مَرْيَمَ كَما يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ﴾ ... الآيَةَ. وعَدَمُ ذِكْرِهِ هَهُنا لِلتَّعْوِيلِ عَلى ذِكْرِهِ هُناكَ كَما أنَّ عَدَمَ ذِكْرِ مُقَدِّمَةِ الدُّعاءِ هُناكَ لِلِاكْتِفاءِ بِذِكْرِهِ هَهُنا، فَإنَّ الِاكْتِفاءَ بِما ذُكِرَ في مَوْطِنٍ عَمّا تُرِكَ في مَوْطِنٍ آخَرَ مِنَ النُّكَتِ التَّنْزِيلِيَّةِ، وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب