الباحث القرآني
(p-209)﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ شُرُوعٌ في تَفْصِيلِ ما أُجْمِلَ فِيما سَلَفَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: "إذْ أوى الفِتْيَةُ ... إلَخْ. أيْ: نَحْنُ نُخْبِرُكَ بِتَفاصِيلِ أخْبارِهِمْ، وقَدْ مَرَّ بَيانُ اشْتِقاقِهِ في مَطْلَعِ سُورَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
﴿نَبَأهُمْ﴾ النَّبَأُ: الخَبَرُ الَّذِي لَهُ شَأْنٌ وخَطَرٌ.
﴿بِالحَقِّ﴾ إمّا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أوْ حالٌ مِن ضَمِيرِ نَقُصُّ، أوْ مِن نَبَأهم. أوْ صِفَةٌ لَهُ عَلى رَأْيِ مَن يَرى حَذْفَ المَوْصُولِ مَعَ بَعْضِ صِلَتِهِ، أيْ: نَقُصُّ قَصَصًا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ، أوْ نَقُصُّهُ مُلْتَبِسِينَ بِهِ، أوْ نَقُصُّ نَبَأهم مُلْتَبِسًا بِهِ، أوْ نَبَأهُمُ المُلْتَبِسَ بِهِ. ونَبَأهم حَسْبَما ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ يَسارٍ أنَّهُ قَدْ مَرَجَ أهْلُ الإنْجِيلِ، وعَظُمَتْ فِيهِمُ الخَطايا، وطَغَتْ مُلُوكُهُمْ، فَعَبَدُوا الأصْنامَ، وذَبَحُوا لِلطَّواغِيتِ. وكانَ مِمَّنْ بالَغَ في ذَلِكَ، وعَتا عُتُوًّا كَبِيرًا دِقْيانُوسُ فَإنَّهُ غَلا فِيهِ غُلُوًّا شَدِيدًا، فَجاسَ خِلالَ الدِّيارِ والبِلادِ بِالعَيْثِ والفَسادِ، وقَتَلَ مَن خالَفَهُ مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وكانَ يَتْبَعُ النّاسَ فَيُخَيِّرُهم بَيْنَ القَتْلِ وعِبادَةِ الأوْثانِ، فَمَن رَغِبَ في الحَياةِ الدُّنْيا الدَّنِيَّةِ يَصْنَعُ ما يَصْنَعُ. ومَن آثَرَ عَلَيْها الحَياةَ الأبَدِيَّةَ قَتَلَهُ، وقَطَعَ آرابَهُ، وعَلَّقَها في سُورِ المَدِينَةِ وأبْوابِها، فَلَمّا رَأى الفِتْيَةُ ذَلِكَ، وكانُوا عُظَماءَ أهْلِ مَدِينَتِهِمْ، وقِيلَ: كانُوا مِن خَواصِّ المَلِكِ قامُوا، فَتَضَرَّعُوا إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، واشْتَغَلُوا بِالصَّلاةِ والدُّعاءِ، فَبَيْنَما هم كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أعْوانُ الجَبّارِ، فَأحْضَرُوهم بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ لَهم ما قالَ، وخَيَّرَهم بَيْنَ القَتْلِ وبَيْنَ عِبادَةِ الأوْثانِ، فَقالُوا: إنَّ لَنا إلَهًا مَلَأ السَّمَواتِ والأرْضَ عَظَمَتُهُ وجَبَرُوتُهُ لَنْ نَدْعُوَ مِن دُونِهِ أحَدًا، ولَنْ نُقِرَّ لِما تَدْعُونا إلَيْهِ أبَدًا، فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ، فَأمَرَ بِنَزْعِ ما عَلَيْهِمْ مِنَ الثِّيابِ الفاخِرِ، وأخْرَجَهم مِن عِنْدِهِ، وخَرَجَ هو إلى مَدِينَةِ "نِينَوى" لِبَعْضِ شَأْنِهِ، وأمْهَلَهم إلى رُجُوعِهِ لِيَتَأمَّلُوا في أمْرِهِمْ فَإنْ تَبِعُوهُ وإلّا فُعِلَ بِهِمْ ما فُعِلَ بِسائِرِ المُسْلِمِينَ، فَأزْمَعَتِ الفِتْيَةُ عَلى الفِرارِ بِالدِّينِ، والِالتِجاءِ إلى الكَهْفِ الحَصِينِ. فَأخَذَ كُلٌّ مِنهم مِن بَيْتِ أبِيهِ شَيْئًا، فَتَصَدَّقُوا بِبَعْضِهِ، وتَزَوَّدُوا بِالباقِي، فَأوَوْا إلى الكَهْفِ، فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ فِيهِ آناءَ اللَّيْلِ، وأطْرافَ النَّهارِ، ويَبْتَهِلُونَ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ بِالأنِينِ، والجُؤارِ، وفَوَّضُوا أمْرَ نَفَقَتِهِمْ إلى يَمْلِيخا، فَكانَ إذا أصْبَحَ يَضَعُ عَنْهُ ثِيابَهُ الحِسانَ، ويَلْبَسُ لِباسَ المَساكِينِ، ويَدْخُلُ المَدِينَةَ، ويَشْتَرِي ما يُهِمُّهُمْ، ويَتَحَسَّسُ ما فِيها مِنَ الأخْبارِ، ويَعُودُ إلى أصْحابِهِ، فَلَبِثُوا عَلى ذَلِكَ إلى أنْ قَدِمَ الجَبّارُ إلى المَدِينَةِ فَطَلَبَهُمْ، وأحْضَرَ آباءَهُمْ، فاعْتَذَرُوا بِأنَّهم عَصَوْهُمْ، ونَهَبُوا أمْوالَهُمْ، وبَذَرُوها في الأسْواقِ، وفَرُّوا إلى الجَبَلِ، فَلَمّا رَأى يَمْلِيخا ما رَأى مِنَ الشَّرِّ رَجَعَ إلى أصْحابِهِ، وهو يَبْكِي، ومَعَهُ قَلِيلٌ مِنَ الزّادِ فَأخْبَرَهم بِما شَهِدَهُ مِنَ الهَوْلِ فَفَزِعُوا إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، ثُمَّ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وجَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ في أمْرِهِمْ. فَبَيْنَما هم كَذَلِكَ إذْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعالى عَلى آذانِهِمْ، فَنامُوا ونَفَقَتُهم عِنْدَ رُءُوسِهِمْ. فَخَرَجَ دِقْيانُوسُ في طَلَبِهِمْ بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ فَوَجَدُوهم قَدْ دَخَلُوا الكَهْفَ، فَأمَرَ بِإخْراجِهِمْ فَلَمْ يُطِقْ أحَدٌ أنْ يَدْخُلَهُ، فَلَمّا ضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، قالَ قائِلٌ مِنهُمْ: ألَيْسَ لَوْ كُنْتَ قَدَرْتَ عَلَيْهِمْ قَتَلْتَهُمْ؟ قالَ: بَلى. قالَ: فابْنِ عَلَيْهِمْ بابَ الكَهْفِ، ودَعْهم يَمُوتُوا جُوعًا وعَطَشًا، ولْيَكُنْ كَهْفُهم قَبْرًا لَهم. فَفَعَلَ، ثُمَّ كانَ مِن شَأْنِهِمْ ما قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَنْهُمْ: ﴿إنَّهم فِتْيَةٌ﴾ اسْتِئْنافٌ تَحْقِيقِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلى تَقْدِيرِ السُّؤالِ مِن قِبَلِ المُخاطَبِ، والفِتْيَةُ جَمْعُ قِلَّةٍ لِلْفَتى، كالصِّبْيَةِ لِلصَّبِيِّ.
﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ أُوثِرَ (p-210)الِالتِفاتُ لِلْإشْعارِ بِعِلِّيَّةِ وصْفِ الربوبية لِإيمانِهِمْ، ولِمُراعاةِ ما صَدَرَ عَنْهم مِنَ المَقالَةِ حَسْبَما سَيُحْكى عَنْهم.
﴿وَزِدْناهم هُدًى﴾ بِأنْ ثَبَّتْناهم عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، وأظْهَرْنا لَهم مَكْنُوناتِ مَحاسِنِهِ، وفِيهِ التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى ما عَلَيْهِ سَبْكُ النَّظْمِ سِباقًا وسِياقًا مِنَ التَّكَلُّمِ.
{"ayah":"نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَیۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَـٰهُمۡ هُدࣰى"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











