الباحث القرآني

﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن﴾ وقُرِئَ: (نُنْزِلُ) مِنَ الإنْزالِ. ﴿ما هو شِفاءٌ﴾ لِما في الصُّدُورِ مِن أدْواءِ الرَّيْبِ، وأسْقامِ الأوْهامِ. ﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بِهِ العالِمِينَ بِما في تَضاعِيفِهِ، أيْ: ما هو في تَقْوِيمِ دِينِهِمْ، واسْتِصْلاحِ نُفُوسِهِمْ كالدَّواءِ الشّافِي لِلْمَرْضى، و "مِن" بَيانِيَّةٌ قُدِّمَتْ عَلى المُبَيَّنِ اعْتِناءً، فَإنَّ كُلَّ القرآن كَذَلِكَ. وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: " «مَن لَمْ يَسْتَشْفِ بِالقرآن فَلا شَفاهُ اللَّهُ» ". أوْ تَبْعِيضِيَّةٌ لَكِنْ لا بِمَعْنى أنْ بَعْضَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ بِمَعْنى أنّا نُنْزِلُ مِنهُ في كُلِّ نَوْبَةٍ ما تَسْتَدْعِي الحِكْمَةُ نُزُولَهُ حِينَئِذٍ فَيَقَعُ ذَلِكَ مِمَّنْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مُوافَقَتِهِ لِأحْوالِهِمُ الدّاعِيَةِ إلى نُزُولِهِ مَوْقِعَ الدَّواءِ الشّافِي المُصادِفِ لا بِأنَّهُ مِنَ المَرْضى المُحْتاجِينَ إلَيْهِ، بِحَسَبِ الحالِ مِن غَيْرِ تَقْدِيمٍ وتَأْخِيرٍ. فَكُلُّ بَعْضٍ مِنهُ مُتَّصِفٌ بِالشِّفاءِ لَكِنْ لا في كُلِّ حِينٍ بَلْ عِنْدَ تَنْزِيلِهِ، وتَحْقِيقُ التَّبْعِيضِ بِاعْتِبارِ الشِّفاءِ الجُسْمانِيِّ كَما في الفاتِحَةِ، وآياتِ الشِّفاءِ لا يُساعِدُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إلا خَسارًا﴾ أيْ: يَزِيدُ القرآن كُلُّهُ، أوْ كُلُّ بَعْضٍ مِنهُ الكافِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِهِ الواضِعِينَ لِلْأشْياءِ في غَيْرِ مَواضِعِها، مَعَ كَوْنِهِ في نَفْسِهِ شِفاءً مِنَ الأسْقامِ إلّا خَسارًا، أيْ: هَلاكًا بِكُفْرِهِمْ، وتَكْذِيبِهِمْ لا نُقْصانًا كَما قِيلَ. فَإنَّ ما بِهِمْ مِن داءِ الكُفْرِ والضَّلالِ، حَقِيقٌ بِأنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِالهَلاكِ لا بِالنُّقْصانِ المُنْبِئِ عَنْ حُصُولِ بَعْضِ مَبادِئِ الأسْقامِ فِيهِمْ، وزِيادَتِهِمْ في مَراتِبِ الهَلاكِ مِن حَيْثُ أنَّهم كُلَّما جَدَّدُوا الكُفْرَ، والتَّكْذِيبَ بِالآياتِ النّازِلَةِ تَدْرِيجِيًّا ازْدادُوا بِذَلِكَ هَلاكًا. وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ ما بِالمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّبَهِ، والشُّكُوكِ المُعْتَرِيَةِ لَهم في أثْناءِ الِاهْتِداءِ، والِاسْتِرْشادِ بِمَنزِلَةِ الأمْراضِ، وما بِالكَفَرَةِ مِنَ الجَهْلِ والعِنادِ بِمَنزِلَةِ المَوْتِ والهَلاكِ. وإسْنادُ الزِّيادَةِ المَذْكُورَةِ إلى القرآن مَعَ أنَّهم هُمُ المُزْدادُونَ في ذَلِكَ بِسُوءِ صَنِيعِهِمْ، واعْتِبارِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِذَلِكَ، وفِيهِ تَعْجِيبٌ مِن أمْرِهِ حَيْثُ يَكُونُ مَدارًا لِلشِّفاءِ والهَلاكِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب