الباحث القرآني

﴿إنَّ المُبَذِّرِينَ كانُوا إخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّبْذِيرِ بِبَيانِ أنَّهُ يَجْعَلُ صاحِبَهُ مَلْزُوزًا في قَرْنِ الشَّياطِينِ، والمُرادُ "بِالأُخُوَّةِ" المُماثِلَةُ التّامَّةُ في كُلِّ ما لا خَيْرَ فِيهِ مِن صِفاتِ السُّوءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها التَّبْذِيرُ، أيْ: كانُوا بِما فَعَلُوا مِنَ التَّبْذِيرِ أمْثالَ الشَّياطِينِ، أوِ الصَّداقَةُ، والمُلازَمَةُ، أيْ: كانُوا أصْدِقاءَهُمْ، وأتْباعَهم فِيما ذُكِرَ مِنَ التَّبْذِيرِ، والصَّرْفِ في المَعاصِي، فَإنَّهم كانُوا يَنْحَرُونَ الإبِلَ، ويَتَياسَرُونَ عَلَيْها، ويُبَذِّرُونَ أمْوالَهم في السُّمْعَةِ، وسائِرِ ما لا خَيْرَ فِيهِ مِنَ المَباهِي والمَلاهِي، أوِ المُقارَنَةُ، أيْ: قُرَناءَهم في النّارِ عَلى سَبِيلِ الوَعِيدِ. ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ مِن تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ، أيْ: مُبالِغًا في كُفْرانِ نِعْمَتِهِ تَعالى؛ لِأنَّ شَأْنَهُ أنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ ما أعْطاهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ القُوى والقُدَرُ إلى غَيْرِ ما خُلِقَتْ هي لَهُ مِن أنْواعِ المَعاصِي، والإفْسادِ في الأرْضِ، وإضْلالِ النّاسِ، وحَمْلِهِمْ عَلى الكُفْرِ بِاللَّهِ، وكُفْرانِ نِعَمِهِ الفائِضَةِ عَلَيْهِمْ، وصَرْفِها إلى غَيْرِ ما أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ. وتَخْصِيصُ هَذا الوَصْفِ بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ سائِرِ أوْصافِهِ القَبِيحَةِ لِلْإيذانِ بِأنَّ التَّبْذِيرَ الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنْ صَرْفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعالى إلى غَيْرِ مَصْرَفِها مِن بابِ الكُفْرانِ المُقابِلِ لِلشُّكْرِ الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنْ صَرْفِها إلى ما خُلِقَتْ هي لَهُ، والتَّعَرُّضُ لِوَصْفِ الربوبية لِلْإشْعارِ بِكَمالِ عُتُوِّهِ، فَإنَّ كُفْرانَ نِعْمَةِ الرَّبِّ مَعَ كَوْنِ الربوبية مِن قُوى الدَّواعِي إلى شُكْرِها غايَةُ الكُفْرانِ، ونِهايَةُ الضَّلالِ والطُّغْيانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب