الباحث القرآني

﴿ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ لِيَتَدَبَّرُوا ما أصابَ كُلَّ واحِدٍ مِن حِزْبَيِ المُؤْمِنِ والكافِرِ، فَيُقْلِعُوا عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، ويُنِيبُوا إلى اللَّهِ تَعالى. وقِيلَ: هو ابْتِداءُ كَلامٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى خِطابًا لِلْكَفَرَةِ، في عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ. فَيَخْتَصُّ تَذْكِيرُ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِما اخْتَصَّ بِبَنِي إسْرائِيلَ مِنَ السَّرّاءِ والضَّرّاءِ، والأيّامِ بِالأيّامِ الجارِيَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ. وفِيهِ ما لا يَخْفى مِنَ البُعْدِ، وأيْضًا لا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ وجْهُ تَخْصِيصِ تَذْكِيرِ الكَفَرَةِ الَّذِينَ في عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ بِما أصابَ أُولَئِكَ المَعْدُودِينَ، مَعَ أنَّ غَيْرَهم أُسْوَةٌ لَهم في الخُلُوِّ قَبْلَ هَؤُلاءِ ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ بَدَلٌ مِنَ المَوْصُولِ، أوْ عَطْفُ بَيانٍ ﴿وَعادٍ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْمِ نُوحٍ ﴿وَثَمُودَ والَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ أيْ: مِن هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ عَطْفٌ عامٌّ عَلى قَوْمِ نُوحٍ، وما عَطَفَ (p-36)عَلَيْهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَعْلَمُهم إلا اللَّهُ﴾ اعْتِراضٌ، أوِ المَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ، ولا يَعْلَمُهم إلى آخِرِهِ خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ، والمَعْنى: أنَّهم مِنَ الكَثْرَةِ بِحَيْثُ لا يَعْلَمُ عَدَدَهم إلّا اللَّهُ سُبْحانَهُ. وعَنِ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما بَيْنَ عَدْنانَ وإسْماعِيلَ ثَلاثُونَ أبًا لا يُعْرَفُونَ، وكانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ إذا قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ قالَ: كَذَبَ النَّسّابُونَ يَعْنِي: أنَّهم يَدَّعُونَ عِلْمَ الأنْسابِ، وقَدْ نَفى اللَّهُ تَعالى عِلْمَها عَنِ العِبادِ. ﴿جاءَتْهم رُسُلُهُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ نَبَئِهِمْ ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ بِالمُعْجِزاتِ الظّاهِرَةِ، والبَيِّناتِ الباهِرَةِ. فَبَيَّنَ كُلُّ رَسُولٍ لِأُمَّتِهِ طَرِيقَ الحَقِّ، وهَداهم إلَيْهِ لِيُخْرِجَهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ. ﴿فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ﴾ مُشِيرِينَ بِذَلِكَ إلى ألْسِنَتِهِمْ، وما يَصْدُرُ عَنْها مِنَ المَقالَةِ اعْتِناءً مِنهم بِشَأْنِها، وتَنْبِيهًا لِلرُّسُلِ عَلى تَلَقِّيها، والمُحافَظَةِ عَلَيْها، وإقْناطًا لَهم عَنِ التَّصْدِيقِ والإيمانِ بِإعْلامِ أنْ لا جَوابَ لَهم سِواهُ. ﴿وَقالُوا إنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أيْ: عَلى زَعْمِكُمْ، وهي البَيِّناتُ الَّتِي أظْهَرُوها حُجَّةً عَلى صِحَّةِ رِسالاتِهِمْ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا﴾ ومُرادُهم "بِالكُفْرِ بِها" الكُفْرُ بِدَلالَتِها عَلى صِحَّةِ رِسالاتِهِمْ، أوْ فَعَضُّوها غَيْظًا، وضَجَرًا مِمّا جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ. كَقَوْلِهِ تَعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ، أوْ وضَعُوها عَلَيْها تَعَجُبًا مِنهُ، واسْتِهْزاءً بِهِ، كَمَن غَلَبَهُ الضَّحِكُ، أوْ إسْكانًا لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وأمْرًا لَهم بِإطْباقِ الأفْواهِ، أوْ رَدُّوها في أفْواهِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. يَمْنَعُونَهم مِنَ التَّكَلُّمِ تَحْقِيقًا، أوْ تَمْثِيلًا، أوْ جَعَلُوا أيْدِيَ الأنْبِياءِ في أفْواهِهِمْ تَعَجُّبًا مِن عُتُوِّهِمْ، وعِنادِهِمْ. كَما يُنْبِئُ عَنْهُ تَعَجُّبُهم بِقَوْلِهِمْ: أفِي اللَّهِ شَكٌّ ... إلَخْ. وقِيلَ: الأيْدِي بِمَعْنى: الأيادِي. عَبَّرَ بِها عَنْ مَواعِظِهِمْ، ونَصائِحِهِمْ، وشَرائِعِهِمُ الَّتِي مَدارُ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ، والدُّنْياوِيَّةِ، لِأنَّهم لَمّا كَذَّبُوها فَلَمْ يَقْبَلُوها فَكَأنَّهم رَدُّوها إلى حَيْثُ جاءَتْ مِنهُ. ﴿وَإنّا لَفي شَكٍّ﴾ عَظِيمٍ. ﴿مِمّا تَدْعُونَنا إلَيْهِ﴾ مِنَ الإيمان باللَّهِ، والتَّوْحِيدِ، فَلا يُنافِي شَكُّهم في ذَلِكَ كُفْرَهُمُ القَطْعِيَّ بِما أُرْسِلَ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ البَيِّناتِ، فَإنَّهم كَفَرُوا بِها قَطْعًا، حَيْثُ لَمْ يَعْتَدُّوا بِها، ولَمْ يَجْعَلُوها مِن جِنْسِ المُعْجِزاتِ، ولِذَلِكَ قالُوا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. وقُرِئَ: (تَدَّعُونَ) بِالإدْغامِ ﴿مُرِيبٍ﴾ مُوقِعٌ في الرِّيبَةِ مِن أرابَهُ أوْ ذِي رِيبَةٍ مِن أرابَ الرَّجُلُ، وهي قَلَقُ النَّفْسِ، وعَدَمُ اطْمِئْنانِها بِالشَّيْءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب