الباحث القرآني
﴿وَأنْذِرِ النّاسَ﴾ خِطابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ إعْلامِهِ أنَّ تَأْخِيرَهم لِماذا؟ وأمْرٌ لَهُ بِإنْذارِهِمْ، وتَخْوِيفِهِمْ مِنهُ، والمُرادُ بِالنّاسِ: الكُفّارُ، المُعَبَّرُ عَنْهم بِالظّالِمِينَ كَما يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ إتْيانِ العَذابِ، والعُدُولُ إلَيْهِ مِنَ الإضْمارِ لِلْإشْعارِ بِأنَّ المُرادَ بِالإنْذارِ: هو الزَّجْرُ عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ لا التَّخْوِيفُ لِلْإزْعاجِ، والإيذاءِ. فالمُناسِبُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ بِعُنْوانِ الظُّلْمِ. أوِ النّاسُ جَمِيعًا، فَإنَّ الإنْذارَ عامٌّ لِلْفَرِيقَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ والإتْيانُ يُعِمُّهُما مِن حَيْثُ كَوْنُهُما في المَوْقِفِ، وإنْ كانَ لُحُوقُهُ بِالكُفّارِ خاصَّةً، أيْ: أنْذِرْهم وخَوِّفْهم.
﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذابُ﴾ المَعْهُودُ: وهو اليَوْمُ الَّذِي وُصِفَ بِما لا يُوصَفُ مِنَ الأوْصافِ الهائِلَةِ. أعْنِي: يَوْمَ القِيامَةِ. وقِيلَ: هو يَوْمُ مَوْتِهِمْ مُعَذَّبِينَ بِالسَّكَراتِ، ولِقاءِ المَلائِكَةِ بِلا بُشْرى، أوْ يَوْمُ هَلاكِهِمْ بِالعَذابِ العاجِلِ، ويَأْباهُ القَصْرُ السّابِقُ، ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أيْ: فَيَقُولُونَ. والعُدُولُ عَنْهُ إلى ما عَلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ، ولِلْإشْعارِ بِأنَّ ما لَقُوهُ مِنَ الشِّدَّةِ، إنَّما هو لِظُلْمِهِمْ، وإيثارُهُ عَلى صِيغَةِ الفاعِلِ حَسْبَما ذُكِرَ أوَّلًا لِلْإيذانِ بِأنَّ الظُّلْمَ في الجُمْلَةِ كافٍ في الإفْضاءِ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الأهْوالِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى الِاسْتِمْرارِ عَلَيْهِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ صِيغَةُ الفاعِلِ، وعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ المُرادِ بِالنّاسِ مَن يَعُمُّ المُسْلِمِينَ أيْضًا، فالمَعْنى: الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهم وهُمُ: الكُفّارُ. أوْ يَقُولُ كُلُّ مَن ظَلَمَ بِالشِّرْكِ، والتَّكْذِيبِ مِنَ المُنْذَرِينَ، وغَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الخالِيَةِ، فَإنَّ إتْيانَ العَذابِ يَعُمُّهم كَما يَشْعُرُ بِذَلِكَ وعْدُهم بِاتِّباعِ الرُّسُلِ.
﴿رَبَّنا أخِّرْنا﴾ رُدَّنا إلى الدُّنْيا وأمْهِلْنا ﴿إلى أجَلٍ قَرِيبٍ﴾ إلى أمَدٍ وحَدٍّ مِنَ الزَّمانِ قَرِيبٌ ﴿نُجِبْ دَعْوَتَكَ﴾ أيِ: الدَّعْوَةُ إلَيْكَ. أيْ: وإلى تَوْحِيدِكَ، أوْ دَعْوَتِكَ لَنا عَلى ألْسِنَةِ الرُّسُلِ، فَفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّهم صَدَّقُوهم في أنَّهم مُرْسَلُونَ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى ﴿وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ فِيما جاءُونا بِهِ، أيْ: نَتَدارَكُ ما فَرَّطْنا فِيهِ مِن إجابَةِ الدَّعْوَةِ، واتِّباعِ الرُّسُلِ، والجَمْعُ، إمّا بِاعْتِبارِ اتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى التَّوْحِيدِ، وكَوْنِ عِصْيانِهِمْ لِلرَّسُولِ ﷺ عِصْيانًا لَهم جَمِيعًا، وإمّا بِاعْتِبارِ أنَّ المَحْكِيَّ كَلامُ ظالِمِي الأُمَمِ جَمِيعًا، والمَقْصُودُ: بَيانُ وعْدِ كُلِّ أُمَّةٍ بِاتِّباعِ رَسُولِها.
﴿أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِن قَبْلُ﴾ عَلى إضْمارِ القَوْلِ مَعْطُوفًا عَلى "فَيَقُولُ" أيْ: فَيُقالُ لَهم تَوْبِيخًا، وتَبْكِيتًا. ألَمْ تُؤَخَّرُوا في الدُّنْيا، ولَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ إذْ ذاكَ بِألْسِنَتِكم بَطَرًا، وأشَرًا وجَهْلًا، وسَفَهًا.
﴿ما لَكم مِن زَوالٍ﴾ مِمّا أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَتُّعِ بِالحُظُوظِ الدُّنْياوِيَّةِ، أوْ بِألْسِنَةِ الحالِ حَيْثُ بَنَيْتُمْ مَشِيدًا (p-57)وَأمَّلْتُمْ بَعِيدًا، ولَمْ تُحَدِّثُوا أنْفُسَكم بِالِانْتِقالِ مِنها إلى هَذِهِ الحالَةِ، وفِيهِ إشْعارٌ بِامْتِدادِ زَمانِ التَّأْخِيرِ، وبُعْدِ مَداهُ. أوْ ما لَكم مِن زَوالٍ مِن هَذِهِ الدّارِ إلى دارٍ أُخْرى لِلْجَزاءِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ﴾ وصِيغَةُ الخِطابِ في جَوابِ القَسَمِ لِمُراعاةِ حالِ الخِطابِ في أقْسَمْتُمْ، كَما في قَوْلِهِ: حَلَفَ بِاللَّهِ لِيَخْرُجَنَّ، وهو أدْخَلُ في التَّوْبِيخِ مِن أنْ يُقالَ: ما لَنا مُراعاةً لِحالِ المُقْسِمِ، ذَكَرَ البَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ أنَّهُ قالَ: لِأهْلِ النّارِ خَمْسُ دَعَواتٍ يُجِيبُهُمُ اللَّهُ تَعالى في أرْبَعٍ مِنها، فَإذا كانَتِ الخامِسَةُ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بَعْدَها أبَدًا، يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ تَعالى: ﴿ذَلِكم بِأنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ﴾ ثُمَّ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ﴾ فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ الآيَةَ. ثُمَّ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ﴾ الآيَةَ. ثُمَّ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلْ﴾ فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ نُعَمِّرْكم ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظّالِمِينَ مَن نَصِيرٍ﴾ فَيَقُولُونَ: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وكُنّا قَوْمًا ضالِّينَ، فَيُجِيبُهُمُ اللَّهُ تَعالى: اخسئوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ، فَلا يَتَكَلَّمُونَ بَعْدَها أبَدًا، إنْ هو إلّا زَفِيرٌ وشَهِيقٌ. وعِنْدَ ذَلِكَ انْقَطَعَ رَجاؤُهُمْ، وأقْبَلَ بَعْضُهم يَنْبَحُ في وجْهِ بَعْضٍ، وأطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ جَهَنَّمُ. اللَّهُمَّ إنّا بِكَ نَعُوذُ، وبِكَنَفِكَ نَلُوذُ، عَزَّ جارُكَ، وجَلَّ ثَناؤُكَ، ولا إلَهَ غَيْرُكَ.
{"ayah":"وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ یَوۡمَ یَأۡتِیهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ رَبَّنَاۤ أَخِّرۡنَاۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوۤا۟ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق