الباحث القرآني
(p-32)﴿وَما أرْسَلْنا﴾ أيْ: في الأُمَمِ الخالِيَةِ مِن قَبْلِكَ كَما سَيُذْكَرُ إجْمالًا.
﴿مِن رَسُولٍ إلا﴾ مُلْتَبِسًا ﴿بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ مُتَكَلِّمًا بِلُغَةِ مَن أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مِنَ الأُمَمِ المُتَّفِقَةِ عَلى لُغَةٍ سَواءٍ بُعِثَ فِيهِمْ أوَّلًا. وقُرِئَ: (بِلِسْنِ) وهو لُغَةٌ فِيهِ كَرِيشٍ، ورِياشٍ، وبِلُسُنِ. بِضَمَّتَيْنِ وضَمَّةٍ وسُكُونٍ، كَعُمُدٍ وعُمْدٍ.
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ ما أُمِرُوا بِهِ، فَيَلْتَقُوا مِنهُ بِيُسْرٍ، وسُرْعَةٍ. ويَعْمَلُوا بِمُوجِبِهِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى التَّرْجَمَةِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمَرُ بِهِ، وحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ مُراعاةُ هَذِهِ القاعِدَةِ في شَأْنِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ﷺ، وعَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ. لِعُمُومِ بِعْثَتِهِ لِلثَّقَلَيْنِ كافَّةً عَلى اخْتِلافِ لُغاتِهِمْ، وكانَ تَعَدُّدُ نُظُمِ الكِتابِ المُنَزَّلِ إلَيْهِ، حَسْبَ تَعَدُّدِ ألْسِنَةِ الأُمَمِ، أدْعى إلى التَّنازُعِ، واخْتِلافِ الكَلِمَةِ، وتَطَرُّقِ أيْدِي التَّحْرِيفِ، مَعَ أنَّ اسْتِقْلالَ بَعْضٍ مِن ذَلِكَ بِالإعْجازِ دُونَ غَيْرِهِ مَثِنَةٌ لِقَدْحِ القادِحِينَ، واتِّفاقُ الجَمِيعِ فِيهِ أمْرٌ قَرِيبٌ مِنَ الإلْجاءِ، وحَصْرِ البَيانِ بِالتَّرْجَمَةِ، والتَّفْسِيرِ اقْتَضَتِ الحِكْمَةُ اتِّحادَ النَّظْمِ المُنْبِئِ عَنِ العِزَّةِ، وجَلالَةِ الشَّأْنِ المُسْتَتْبِعِ لَفَوائِدَ غَنِيَّةٍ عَنِ البَيانِ عَلى أنَّ الحاجَةَ إلى التَّرْجَمَةِ تَتَضاعَفُ عِنْدَ التَّعَدُّدِ، إذْ لا بُدَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِن مَعْرِفَةٍ تُوافِقُ الكُلَّ، وتُحاذِيهِ حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ مِن غَيْرِ مُخالِفَةٍ، ولَوْ في خَصْلَةٍ فَذَّةٍ، وإنَّما يَتِمُّ ذَلِكَ بِمَن يُتَرْجِمُ عَنِ الكُلِّ واحِدًا، أوْ مُتَعَدِّدًا، وفِيهِ مِنَ التَّعَذُّرِ ما يُتاخِمُ الِامْتِناعَ، ثُمَّ لَمّا كانَ أشْرَفُ الأقْوامِ، وأوْلاهم بِدَعْوَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَوْمَهُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ، ولُغَتُهم أفْضَلَ اللُّغاتِ نَزَلَ الكِتابُ المَتِينُ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وانْتَشَرَتْ أحْكامُهُ فِيما بَيْنَ الأُمَمِ أجْمَعِينَ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في "قَوْمِهِ" لِمُحَمَّدٍ ﷺ. فَإنَّهُ تَعالى أنْزَلَ الكُتُبَ كُلَّها عَرَبِيَّةً ثُمَّ تَرْجَمَها جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أوْ كُلُّ مَن نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِلُغَةِ مَن نَزَلَ عَلَيْهِمْ، ويَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعالى: "لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" فَإنَّهُ ضَمِيرُ القَوْمِ، وظاهِرٌ أنَّ جَمِيعَ الكُتُبِ لَمْ يَنْزِلْ لِتَبْيِينِ العَرَبِ، وفي رَجْعِهِ إلى قَوْمِ كُلِّ نَبِيٍّ. كَأنَّهُ قِيلَ: وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِ مُحَمَّدٍ ﷺ لِيُبَيِّنَ الرَّسُولُ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ما لا يَخْفى مِنَ التَّكَلُّفِ.
﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ﴾ إضْلالَهُ، أيْ: يَخْلُقُ فِيهِ الضَّلالَ لِمُباشَرَةِ أسْبابِهِ المُؤَدِّيَةِ إلَيْهِ، أوْ يَخْذُلُهُ، ولا يَلْطُفُ بِهِ لِما يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُنْجَعُ فِيهِ الإلْطافُ.
﴿وَيَهْدِي﴾ بِالتَّوْفِيقِ، ومَنحِ الألْطافِ ﴿مَن يَشاءُ﴾ هِدايَتَهُ لِما فِيهِ مِنَ الإنابَةِ، والإقْبالِ إلى الحَقِّ، والِالتِفاتُ بِإسْنادِ الفِعْلَيْنِ إلى الِاسْمِ الجَلِيلِ المُنْطَوِي عَلى الصِّفاتِ لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِما، وتَرْشِيحِ مَناطِ كُلٍّ مِنهُما. والفاءُ فَصِيحَةٌ مِثْلُها في قَوْلِهِ تَعالى: " فَقُلْنا اضْرِبْ بّعَصاكَ البَحْر فانْفَلَقَ " كَأنَّهُ قِيلَ: فَبَيَّنُوهُ لَهم فَأضَلَّ اللَّهُ مِنهم مَن شاءَ إضْلالَهُ لِما لا يَلِيقُ إلّا بِهِ، وهَدى مَن شاءَ هِدايَتَهُ لِاسْتِحْقاقِهِ لَها، والحَذْفُ لِلْإيذانِ بِأنَّ مُسارَعَةَ كُلِّ رَسُولٍ إلى ما أُمِرَ بِهِ، وجَرَيانَ كُلٍّ مِن أهْلِ الخِذْلانِ والهِدايَةِ عَلى سُنَّتِهِ أمْرٌ مُحَقَّقٌ غَنِيٌّ عَنِ الذِّكْرِ، والبَيانِ، والعُدُولُ إلى صِيغَةِ الِاسْتِقْبالِ لِاسْتِحْضارِ الصُّورَةِ، أوْ لِلدِّلالَةِ عَلى التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ. حَسْبَ تَجَدُّدِ البَيانِ مِنَ الرُّسُلِ المُتَعاقِبَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وتَقْدِيمُ الإضْلالِ عَلى الهِدايَةِ، إمّا لِأنَّهُ إبْقاءُ ما كانَ عَلى ما كانَ، والهِدايَةُ إنْشاءُ ما لَمْ يَكُنْ، أوْ لِلْمُبالَغَةِ في بَيانِ أنْ لا تَأْثِيرَ لِلتَّبْيِينِ، والتَّذْكِيرِ مِن قَبْلِ الرُّسُلِ، وأنَّ مَدارَ الأمْرِ إنَّما هو مَشِيئَتُهُ تَعالى بِإيهامِ أنْ تَرَتُّبَ الضَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ أسْرَعُ مِن (p-33)تَرَتُّبِ الِاهْتِداءِ، وهَذا مُحَقِّقٌ لِما سَلَفَ مِن تَقْيِيدِ الإخْراجِ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى.
﴿وَهُوَ العَزِيزُ﴾ فُلا يُغالَبُ في مَشِيئَتِهِ ﴿الحَكِيمُ﴾ الَّذِي لا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنَ الإضْلالِ، والهِدايَةِ إلّا لِحِكْمَةٍ بالِغَةٍ. وفِيهِ أنَّ ما فُوِّضَ إلى الرُّسُلِ إنَّما هو تَبْلِيغُ الرِّسالَةِ، وتَبْيِينُ طَرِيقِ الحَقِّ، وأمّا الهِدايَةُ، والإرْشادُ إلَيْهِ فَذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحانَهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ، ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِیُبَیِّنَ لَهُمۡۖ فَیُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق