الباحث القرآني

﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ أيْ: يَبْرُزُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، وإيثارُ صِيغَةِ الماضِي لِلدَّلالَةِ عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَنادى أصْحابُ الجَنَّةِ أصْحابُ النّارِ﴾ أوْ لِأنَّهُ لا مُضِيَّ، ولا اسْتِقْبالَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ، والمُرادُ: بُرُوزُهم مِن قُبُورِهِمْ لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى، ومُحاسَبَتِهِ، أوْ لِلَّهِ عَلى ظَنِّهِمْ، فَإنَّهم كانُوا يَظُنُّونَ عِنْدَ ارْتِكابِهِمُ الفَواحِشَ سِرًّا أنَّها تَخْفى عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ انْكَشَفُوا لِلَّهِ عِنْدَ أنْفُسِهِمْ ﴿فَقالَ الضُّعَفاءُ﴾ الأتْباعُ جَمْعُ ضَعِيفٍ، والمُرادُ: ضَعْفُ الرَّأْيِ. وإنَّما كُتِبَ بِالواوِ، وعَلى لَفْظِ مَن يُفَخِّمُ الألِفَ قَبْلَ الهَمْزَةِ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ لِرُؤَسائِهِمُ الَّذِينَ اسْتَتْبَعُوهُمْ، واسْتَغْوُوهم ﴿إنّا كُنّا﴾ في الدُّنْيا ﴿لَكم تَبَعًا﴾ في تَكْذِيبِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، والإعْراضِ عَنْ نَصائِحِهِمْ، وهو جَمْعٌ تابِعٌ كَغَيْبٍ في جَمْعٍ غائِبٍ، أوْ مَصْدَرٌ نُعِتَ بِهِ مُبالَغَةً، أوْ عَلى إضْمارٍ، أيْ: ذَوِي تَبَعٍ. ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ﴾ دافِعُونَ ﴿عَنّا﴾ والفاءُ لِلدَّلالَةِ عَلى سَبَبِيَّةِ الِاتِّباعِ لِلْإغْناءِ، والمُرادُ التَّوْبِيخُ، والعِتابُ، والتَّقْرِيعُ، والتَّبْكِيتُ. ﴿مِن عَذابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ مِنَ الأُولى: لِلْبَيانِ، واقِعَةٌ مَوْقِعَ الحالِ. والثّانِيَةُ: لِلتَّبْعِيضِ، واقِعَةٌ مَوْقِعَ المَفْعُولِ، أيْ: بَعْضُ الشَّيْءِ الَّذِي هو عَذابُ اللَّهِ تَعالى، ويَجُوزُ كَوْنُهُما لِلتَّبْعِيضِ، أيْ: بَعْضُ شَيْءٍ، هو بَعْضُ عَذابِ اللَّهِ. والإعْرابُ كَما سَبَقَ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الأُولى: مَفْعُولًا. والثّانِيَةُ: مَصْدَرًا، أيْ: فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا بَعْضَ العَذابِ بَعْضَ الإغْناءِ؟ ويَعْضُدُ الأوَّلَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا﴾ نَصِيبًا مِنَ النّارِ. ﴿قالُوا﴾ أيِ: المُسْتَكْبِرُونَ جَوابًا عَنْ مُعاتَبَةِ الأتْباعِ، واعْتِذارًا عَمّا فَعَلُوا بِهِمْ، ﴿لَوْ هَدانا اللَّهُ﴾ أيْ: لِلْإيماءِ ووَفَّقَنا لَهُ ﴿لَهَدَيْناكُمْ﴾ ولَكِنْ ضَلَلْنا فَأضْلَلْناكم. أيِ: اخْتَرْنا لَكم ما اخْتَرْناهُ لِأنْفُسِنا، أوْ لَوْ هَدانا اللَّهُ طَرِيقَ النَّجاةِ مِنَ العَذابِ لَهَدَيْناكُمْ، وأغْنَيْنا عَنْكُمْ، كَما عَرَضْنا لَهُ، ولَكِنْ سُدَّ دُونَنا طَرِيقُ الخَلاصِ، ولاتَ حِينَ مَناصٍ ﴿سَواءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا﴾ مِمّا لَقِينا ﴿أمْ صَبَرْنا﴾ عَلى ذَلِكَ، أيْ: مُسْتَوٍ عَلَيْنا الجَزَعُ والصَّبْرُ في عَدَمِ الإنْجاءِ، والهَمْزَةُ وأمْ لِتَأْكِيدِ التَّسْوِيَةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ وإنَّما أسْنَدُوهُما، ونَسَبُوا اسْتِواءَهُما إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ المُنْتَظِمِ لِلْمُخاطَبِينَ أيْضًا، مُبالَغَةً في النَّهْيِ عَنِ (p-42)التَّوْبِيخِ، بِإعْلامِ أنَّهم شُرَكاءُ لَهم فِيما ابْتُلُوا بِهِ، وتَسْلِيَةً لَهُمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "سَواءٌ عَلَيْنا..." إلَخْ. مِن كَلامِ الفَرِيقَيْنِ عَلى مِنوالِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ﴾ ويُؤَيِّدُهُ ما رُوِيَ أنَّهم يَقُولُونَ: تَعالَوْا نَجْزَعْ فَيَجْزَعُونَ خَمْسَمِائَةِ عامٍ، فَلا يَنْفَعُهم. فَيَقُولُونَ: تَعالَوْا نَصْبِرْ فَيَصْبِرُونَ كَذَلِكَ، فَلا يَنْفَعُهم. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، ولَمّا كانَ عِتابُ الأتْباعِ مِن بابِ الجَزَعِ ذَيَّلُوا جَوابَهم بِبَيانِ أنْ لا جَدْوى في ذَلِكَ. فَقالُوا: ﴿ما لَنا مِن مَحِيصٍ﴾ مِن مَنجًى، ومَهْرَبٍ مِنَ العَذابِ، مِن حاصَ الحِمارُ إذا عَدَلَ بِالفِرارِ. وهو إمّا اسْمُ مَكانٍ: كالمَبِيتِ، والمَصِيفِ. أوْ مَصْدَرٌ كالمَغِيبِ، والمَشِيبِ. وهي جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ، لِإجْمالِ ما فِيهِ الِاسْتِواءُ. فَلا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، أوْ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، أوْ بَدَلٌ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب