الباحث القرآني
﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ﴾ أيْ: بَسَطَها طُولًا، وعَرْضًا. قالَ الأصَمُّ: المَدُّ هو البَسْطُ إلى ما لا يُدْرَكُ مُنْتَهاهُ، فَفِيهِ دَلالَةٌ عَلى بُعْدِ مَداها وسَعَةِ أقْطارِها.
﴿وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ﴾ أيْ: جِبالًا ثَوابِتَ في أحْيازِها مِنَ الرُّسُوِّ؛ وهو ثَباتُ الأجْسامِ الثَّقِيلَةِ ولَمْ يُذْكَرِ المَوْصُوفُ؛ لِإغْناءِ غَلَبَةِ الوَصْفِ بِها (p-4)عَنْ ذَلِكَ، وانْحِصارُ مَجِيءِ فَواعِلَ جَمْعًا لِفاعِلٍ في فَوارِسَ، وهَوالِكَ ونَواكِسَ، إنَّما هو في صِفاتِ العُقَلاءِ، وأمّا في غَيْرِهِمْ فَلا يُراعى ذَلِكَ أصْلًا، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: " ﴿أيّامًا مَعْدُوداتٍ﴾ " وقَوْلِهِ: " ﴿الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ " إلى غَيْرِ ذَلِكَ. فَلا حاجَةَ إلى أنْ يُجْعَلَ مُفْرَدُها صِفَةً لِجَمْعِ القِلَّةِ، أعْنِي: أجْبُلًا. ويُعْتَبَرُ في جَمْعِ الكَثْرَةِ، أعْنِي: جِبالًا. انْتِظامُها لِطائِفَةٍ مِن جُمُوعِ القِلَّةِ وتَنْزِيلُ كُلٍّ مِنها مَنزِلَةَ مُفْرَدِها، كَما قِيلَ: عَلى أنَّهُ لا مَجالَ لِذَلِكَ، فَإنَّ جَمْعِيَّةَ كُلٍّ مِن صِيغَتَيِ الجَمْعَيْنِ؛ إنَّما هي بِاعْتِبارِ الأفْرادِ الَّتِي تَحْتَها، لا بِاعْتِبارِ انْتِظامِ جَمْعِ القِلَّةِ لِلْأفْرادِ، وجَمْعِ الكَثْرَةِ لِجُمُوعِ القِلَّةِ، فَكُلٌّ مِنها جَمْعُ جَبَلٍ لا أنْ جِبالًا جَمْعُ أجُبْلٍ، كَما أنَّ طَوائِفَ جَمْعُ طائِفَةٍ، ولا إلى أنْ يُلْتَجَأ إلى جَعْلِ الوَصْفِ المَذْكُورِ بِالغَلَبَةِ في عِدادِ الأسْماءِ الَّتِي تُجْمَعُ عَلى فَواعِلَ، كَما ظَنَّ عَلى أنَّهُ لا وجْهَ لَهُ لِما أنَّ الغَلَبَةَ إنَّما هي في الجَمْعِ دُونَ المُفْرَدِ. والتَّعْبِيرُ عَنِ الجِبالِ بِهَذا العُنْوانِ؛ لِبَيانِ تَفَرُّعِ قَرارِ الأرْضِ عَلى ثَباتِها.
﴿وَأنْهارًا﴾ مَجارِيَ واسِعَةً. والمُرادُ: ما يَجْرِي فِيها مِنَ المِياهِ، وفي نُظُمِها مَعَ الجِبالِ في مَعْمُولِيَّةِ فِعْلٍ واحِدٍ. إشارَةٌ إلى أنَّ الجِبالَ مَنشَأٌ لِلْأنْهارِ، وبَيانٌ لِفائِدَةٍ أُخْرى لِلْجِبالِ غَيْرِ كَوْنِها حافِظَةً لِلْأرْضِ عَنِ الِاضْطِرابِ المُخِلِّ بِثَباتِ الأقْدامِ، وتَقَلُّبِ الحَيَوانِ مُتَفَرِّعَةً عَلى تَمَكُّنِهِ وتَقَلُّبِهِ وهي تَعَيُّشُهُ بِالماءِ والكَلَأِ، ﴿وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِجَعَلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ أيِ: اثْنَيْنِيَةً حَقِيقِيَّةً. وهُما الفَرْدانِ اللَّذانِ كُلٌّ مِنهُما زَوْجُ الآخَرِ، وأكَدَّ بِهِ الزَّوْجَيْنِ لِئَلّا يُفْهَمَ أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ: الشَّفْعانِ، إذْ يُطْلِقُ الزَّوْجُ عَلى المَجْمُوعِ، ولَكِنَّ اثْنَيْنِيَةَ ذَلِكَ اثْنَيْنِيَةٌ اعْتِبارِيَّةٌ، أيْ: جَعَلَ مِن كُلِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ الثَّمَراتِ المَوْجُودَةِ في الدُّنْيا ضَرْبَيْنِ، صِنْفَيْنِ، إمّا في اللَّوْنِ: كالأبْيَضِ، والأسْوَدِ. أوْ في الطَّعْمِ: كالحُلْوِ، والحامِضِ. أوْ في القَدْرِ: كالصَّغِيرِ، والكَبِيرِ. أوْ في الكَيْفِيَّةِ: كالحارِّ، والبارِدِ، وما أشْبَهَ ذَلِكَ. ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِجَعَلَ الأوَّلِ، ويَكُونَ الثّانِي اسْتِئْنافًا لِبَيانِ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الجَعْلِ.
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلى تَشْبِيهِ إزالَةِ نُورِ الجَوِّ بِالظُّلْمَةِ، بِتَغْطِيَةِ الأشْياءِ الظّاهِرَةِ بِالأغْطِيَةِ، أيْ: يَسْتُرُ النَّهارَ بِاللَّيْلِ، والتَّرْكِيبِ. وإنِ احْتَمَلَ العَكْسَ أيْضًا بِالحَمْلِ عَلى تَقْدِيمِ المَفْعُولِ الثّانِي عَلى الأوَّلِ، فَإنَّ ضَوْءَ النَّهارِ أيْضًا ساتِرٌ لِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، إلّا أنَّ الأنْسَبَ بِاللَّيْلِ أنْ يَكُونَ هو الغاشِيَ. وعُدَّ هَذا في تَضاعِيفِ الآياتِ السُّفْلِيَّةِ، وإنْ كانَ تَعَلُّقُهُ بِالآياتِ العُلْوِيَّةِ ظاهِرًا، بِاعْتِبارِ أنَّ ظُهُورَهُ في الأرْضِ، فَإنَّ اللَّيْلَ إنَّما هو ظِلُّها وفِيما فَوْقَ مَوْقِعِ ظِلِّها لا لَيْلَ أصْلًا. ولِأنَّ اللَّيْلَ والنَّهارَ لَهُما تَعَلُّقٌ بِالثَّمَراتِ مِن حَيْثُ العَقْدُ، والإنْضاجُ عَلى أنَّهُما أيْضًا زَوْجانِ مُتَقابِلانِ مِثْلُها. وقُرِئَ: (يُغَشِّي) مِنَ التَّغْشِيَةِ.
﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيْ: فِيما ذُكِرَ مِن مَدِّ الأرْضِ وإيتادِها بِالرَّواسِي، وإجْراءِ الأنْهارِ، وخَلْقِ الثَّمَراتِ، وإغْشاءِ اللَّيْلِ النَّهارِ، وفي الإشارَةِ بِذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلى عِظَمِ شَأْنِ المُشارِ إلَيْهِ في بابِهِ ﴿لآياتٍ﴾ باهِرَةٍ. وهي آثارُ تِلْكَ الأفاعِيلِ البَدِيعَةِ، جَلَّتْ حِكْمَةُ صانِعِها. فَـ "فِي" عَلى مَعْناها: فَإنَّ تِلْكَ الآثارَ مُسْتَقِرَّةٌ في تِلْكَ الأفاعِيلِ مَنُوطَةٌ بِها، ويَجُوزُ أنْ يُشارَ بِذَلِكَ إلى تِلْكَ الآثارِ المَدْلُولِ عَلَيْها، بِتِلْكَ الأفاعِيلِ فَفي تَجْرِيدِيَّةٌ.
﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فَإنَّ التَّفَكُّرَ فِيها يُؤَدِّي إلى الحُكْمِ بِأنَّ تَكْوِينَ كُلٍّ مِن ذَلِكَ عَلى هَذا النَّمَطِ الرّائِقِ، والأُسْلُوبِ اللّائِقِ، لا بُدَّ لَهُ مِن مُكَوِّنٍ قادِرٍ حَكِيمٍ يَفْعَلُ ما يَشاءُ، ويَخْتارُ ما يُرِيدُ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. وهو الحَمِيدُ المَجِيدُ.
{"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ وَأَنۡهَـٰرࣰاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِ جَعَلَ فِیهَا زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ یُغۡشِی ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق