الباحث القرآني
﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ إذْ دَعاهم إلى الحَقِّ بِفُنُونِ الدَّعْوَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ضَرْبُ الأمْثالِ فَإنَّهُ ألْطَفُ ذَرِيعَةٍ إلى تَفْهِيمِ القُلُوبِ الغَبِيَّةِ، وأقْوى وسِيلَةٍ إلى تَسْخِيرِ النُّفُوسِ الأبِيَّةِ. كَيْفَ لا وهو تَصْوِيرٌ لِلْمَعْقُولِ بِصُورَةِ المَحْسُوسِ، وإبْرازٌ لِأوابِدِ المَعانِي في هَيْئَةِ المَأْنُوسِ، فَأيُّ دَعْوَةٍ أوْلى مِنهُ بِالِاسْتِجابَةِ والقَبُولِ؟ ﴿الحُسْنى﴾ أيِ: المَثُوبَةَ الحُسْنى وهي الجَنَّةُ ﴿والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ﴾ وعانَدُوا الحَقَّ الجَلِيَّ ﴿لَوْ أنَّ لَهم ما في الأرْضِ﴾ مِن أصْنافِ الأمْوالِ ﴿جَمِيعًا﴾ بِحَيْثُ لَمْ يَشِذَّ مِنهُ شاذٌّ في أقْطارِها، أوْ مَجْمُوعًا غَيْرَ مُتَفَرِّقٍ بِحَسْبِ الأزْمانِ.
﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ﴾ أيْ: بِما في الأرْضِ، ومِثْلُهُ مَعَهُ جَمِيعًا لِيَتَخَلَّصُوا عَمّا بِهِمْ، وفِيهِ مِن تَهْوِيلِ ما يَلْقاهم ما لا يُحِيطُ بِهِ البَيانُ. فالمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ، والشَّرْطِيَّةُ كَما هي خَبَرُهُ، لَكِنْ لا عَلى أنَّها وُضِعَتْ مَوْضِعَ السَّوْءى، فَوَقَعَتْ في مُقابَلَةِ الحُسْنى الواقِعَةِ في القَرِينَةِ الأُولى، لِمُراعاةِ حُسْنِ المُقابَلَةِ، فَصارَ كَأنَّهُ قِيلَ: والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ السَّوْءى، كَما يُوهِمُ، فَإنَّ الشَّرْطِيَّةَ وإنْ دَلَّتْ عَلى كَمالِ سُوءِ حالِهِمْ لَكِنَّها بِمَعْزِلٍ مِنَ القِيامِ مَقامَ لَفْظِ السَّوْءى، مَصْحُوبًا بِاللّامِ الدّاخِلَةِ عَلى المَوْصُولِ، أوْ ضَمِيرِهِ. (p-16)وَعَلَيْهِ يَدُورُ حُصُولُ المَرامِ، وإنَّما الواقِعُ في تِلْكَ المُقابَلَةِ سُوءُ الحِسابِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أُولَئِكَ لَهم سُوءُ الحِسابِ﴾ وحَيْثُ كانَ اسْمُ الإشارَةِ الواقِعُ مُبْتَدَأً في هَذِهِ الجُمْلَةِ عِبارَةً عَنِ المَوْصُولِ الواقِعِ مُبْتَدَأً في الجُمْلَةِ السّابِقَةِ، كانَ خَبَرُها أعْنِي: الجُمْلَةَ الظَّرْفِيَّةَ خَبَرًا عَنِ المَوْصُولِ في الحَقِيقَةِ، ومُبَيِّنًا لِإبْهامِ مَضْمُونِ الشَّرْطِيَّةِ الواقِعَةِ خَبَرًا عَنْهُ أوَّلًا. ولِذَلِكَ تُرِكَ العَطْفُ فَصارَ كَأنَّهُ قِيلَ: والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَهم سُوءُ الحِسابِ. وذَلِكَ في قُوَّةِ أنْ يُقالَ: ولِلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ سُوءُ الحِسابِ، مَعَ زِيادَةِ تَأْكِيدٍ. فَتَمَّ حُسْنُ المُقابَلَةِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ، وآكَدِهِ، ثُمَّ بُيِّنَ مُؤَدّى ذَلِكَ فَقِيلَ: ﴿وَمَأْواهُمْ﴾ أيْ: مَرْجِعُهم ﴿جَهَنَّمُ﴾ وفِيهِ نَوْعُ تَأْكِيدٍ لِتَفْسِيرِ الحُسْنى بِالجَنَّةِ ﴿وَبِئْسَ المِهادُ﴾ أيِ: المُسْتَقَرُّ والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ. وقِيلَ: اللّامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: "يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ". أيِ: الأمْثالَ السّالِفَةَ. وقَوْلُهُ: "الحُسْنى" صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ. أيِ: اسْتَجابُوا الِاسْتِجابَةَ الحُسْنى. وقَوْلُهُ: والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ مَعْطُوفٌ عَلى المَوْصُولِ الأوَّلِ. وقَوْلُهُ: "لَوْ أنَّ لَهم ..." إلَخْ. كَلامٌ مُسْتَأْنِفٌ، مَسُوقٌ لِبَيانِ ما أُعِدَّ لِغَيْرِ المُسْتَجِيبِينَ مِنَ العَذابِ. والمَعْنى: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ لِلْمُؤْمِنِينَ المُسْتَجِيبِينَ، والكافِرِينَ المُعانِدِينَ، أيْ: هُما مَثَلا الفَرِيقَيْنِ، وأنْتَ خَبِيرٌ، بِأنَّ عُنْوانَ الِاسْتِجابَةِ، وعَدَمَها لا مُناسَبَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما يَدُورُ عَلَيْهِ أمْرُ التَّمْثِيلِ. وأنَّ الِاسْتِعْمالَ المُسْتَفِيضَ دُخُولُ اللّامِ عَلى مَن يُقْصَدُ تَذْكِيرُهُ بِالمَثَلِ "نَعَمْ" قَدْ يُسْتَعْمَلُ في هَذا المَعْنى "أيْضًا"، كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: " ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأتَ فِرْعَوْنَ﴾ " ونَظائِرِهِ، عَلى أنَّ بَعْضَ الأمْثالِ المَضْرُوبَةِ لا سِيَّما المَثَلُ الأخِيرُ المَوْصُولُ بِالكَلامِ لَيْسَ مَثَلَ الفَرِيقَيْنِ، بَلْ مَثَلٌ لِلْحَقِّ والباطِلِ، ولا مَساغَ لِجَعْلِ الفَرِيقَيْنِ مَضْرُوبًا لَهم أيْضًا، بِأنْ يُجْعَلَ في حُكْمِ أنْ يُقالَ: "كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ" إذْ لا وجْهَ حِينَئِذٍ لِتَنْوِيعِهِمْ إلى المُسْتَجِيبِينَ، وغَيْرِ المُسْتَجِيبِينَ. فَتَأمَّلْ:
{"ayah":"لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق