الباحث القرآني

﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ﴾ أيِ: الدَّعْوَةُ الثّابِتَةُ الواقِعَةُ في مَحَلِّها المُجابَةُ عِنْدَ وُقُوعِها، والإضافَةُ لِلْإيذانِ بِمُلابَسَتِها لِلْحَقِّ، واخْتِصاصِها بِهِ، وكَوْنِهِ بِمَعْزِلٍ مِن شائِبَةِ البُطْلانِ، والضَّياعِ، والضَّلالِ، كَما يُقالُ: كَلِمَةُ الحَقِّ. وقِيلَ لَهُ دَعْوَةُ اللَّهِ سُبْحانَهُ أيِ: الدَّعْوَةُ اللّائِقَةُ بِحَضْرَتِهِ، كَما في قَوْلِهِ ﷺ: " «فَمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ» " والتَّعَرُّضُ لِوَصْفِ الحَقِّيَّةِ لِتَرْبِيَةِ مَعْنى الِاسْتِجابَةِ. والأوْلى: هو الأوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعالى: "وَما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا في ضَلالٍ" وتَعَلُّقُ الجُمْلَتَيْنِ بِما قَبْلَهُما، مِن حَيْثُ أنَّ إهْلاكَ أرْبَدَ وعامِرٍ مِحالٌ، مِنَ اللَّهِ تَعالى، وإجابَةٌ لِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِما، إنْ كانَتِ الآيَةُ نَزَلَتْ في شَأْنِهِما، أوْ مِن حَيْثُ إنَّهُ وعِيدٌ لِلْكَفَرَةِ عَلى مُجادَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. بِحُلُولِ مِحالِهِ بِهِمْ، وتَحْذِيرٌ لَهم بِإجابَةِ دَعْوَتِهِ عَلَيْهِمْ. ﴿والَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ أيِ: الأصْنامُ، الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ المُشْرِكُونَ فَحُذِفَ العائِدُ ﴿مِن دُونِهِ﴾ مِن دُونِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿لا يَسْتَجِيبُونَ لَهم بِشَيْءٍ﴾ مِن طَلَباتِهِمْ ﴿إلا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلى الماءِ﴾ أيْ: إلّا اسْتِجابَةً كائِنَةً كاسْتِجابَةِ الماءِ لِمَن بَسَطَ كَفَّيْهِ إلَيْهِ مِن بَعِيدٍ. فالِاسْتِجابَةُ مَصْدَرٌ مِنَ المَبْنِيِّ لِلْفاعِلِ، عَلى ما يَقْتَضِيهِ الفِعْلُ الظّاهِرُ أعْنِي لا يَسْتَجِيبُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ المَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ. ويُضافُ إلى الباسِطِ بِناءً عَلى اسْتِلْزامِ المَصْدَرِ مِنَ المَبْنِيِّ لِلْفاعِلِ لِلْمَصْدَرِ مِنَ المَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وُجُودًا، وعَدَمًا، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا يَسْتَجِيبُونَ لَهم بِشَيْءٍ، فَلا يُسْتَجابُ لَهم إلّا اسْتِجابَةً كائِنَةً، كاسْتِجابَةِ مِن بَسَطَ كَفَّيْهِ إلى الماءِ، كَما في قَوْلِهِ: ؎ وعَضَّةُ دَهْرٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لَمْ تَدَعْ مِنَ المالِ إلّا مُسْحَتٌ أوْ مُجَلَّفُ أيْ: لَمْ تَدَعْ فَلَمْ يَبْقَ إلّا مُسْحَتٌ أوْ مُجَلَّفٌ. ﴿لِيَبْلُغَ﴾ أيِ: الماءُ بِنَفْسِهِ مِن غَيْرِ أنْ يُؤْخَذَ بِشَيْءٍ مِن إناءٍ، ونَحْوِهِ ﴿فاهُ وما هُوَ﴾ أيِ: الماءُ ﴿بِبالِغِهِ﴾ بِبالِغٍ فِيهِ أبَدًا، لِكَوْنِهِ جَمادًا لا يَشْعُرُ بِعَطَشِهِ، ولا بِبَسْطِ يَدِهِ إلَيْهِ، فَضْلًا عَنِ الِاسْتِطاعَةِ لِما أرادَهُ مِنَ "البُلُوغِ إلى" فِيهِ، شَبَّهَ حالَ المُشْرِكِينَ في عَدَمِ حُصُولِهِمْ في دُعاءِ آلِهَتِهِمْ عَلى شَيْءٍ أصْلًا، ورَكاكَةَ رَأْيِهِمْ في ذَلِكَ، بِحالِ عَطْشانَ هائِمٍ لا يَدْرِي ما يَفْعَلُ قَدْ بَسَطَ كَفَّيْهِ مِن بَعِيدٍ إلى الماءِ، يَبْغِي وُصُولَهُ إلى فِيهِ، مِن غَيْرِ مُلاحَظَةِ التَّشْبِيهِ في جَمِيعِ مُفْرَداتِ الأطْرافِ. فَإنَّ الماءَ في نَفْسِهِ شَيْءٌ نافِعٌ، بِخِلافِ آلِهَتِهِمْ. والمُرادُ: نَفْيُ الِاسْتِجابَةِ رَأْسًا إلّا أنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ الكَلامُ مَخْرَجَ التَّهَكُّمِ بِهِمْ فَقِيلَ: لا يَسْتَجِيبُونَ لَهم شَيْئًا مِنَ الِاسْتِجابَةِ إلّا اسْتِجابَةً كائِنَةً في هَذِهِ الصُّورَةِ، الَّتِي لَيْسَتْ فِيها شائِبَةُ الِاسْتِجابَةِ قَطْعًا، فَهو في الحَقِيقَةِ مِن بابِ التَّعْلِيقِ بِالمُحالِ. وقُرِئَ: (تَدْعُونَ) بِالتّاءِ وكَباسِطٍ بِالتَّنْوِينِ. ﴿وَما دُعاءُ الكافِرِينَ إلا في ضَلالٍ﴾ أيْ: ذَهابٍ وضَياعٍ وخَسارٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب