الباحث القرآني

﴿قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ﴾ بَعْدَما عايَنْتُ مِنكم ما عايَنْتُ ﴿حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: ما أتَوَثَّقُ بِهِ مِن جِهَةِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وإنَّما جَعَلَهُ مَوْثِقًا مِنهُ تَعالى؛ لِأنَّ تَأْكِيدَ العُهُودِ بِهِ مَأْذُونٌ فِيهِ مِن جِهَتِهِ تَعالى، فَهو إذْنٌ مِنهُ - عَزَّ وجَلَّ - ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ جَوابُ القَسَمِ، إذِ المَعْنى حَتّى تَحْلِفُوا بِاللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ ﴿إلا أنْ يُحاطَ بِكُمْ﴾ أيْ: إلّا أنْ تُغْلَبُوا فَلا تُطِيقُوا بِهِ، أوْ إلّا أنْ تُهْلَكُوا، وأصْلُهُ مِن إحاطَةِ العَدُوِّ، فَإنَّ مَن أحاطَ بِهِ العَدُوُّ فَقَدْ هَلَكَ غالِبًا، وهو اسْتِثْناءٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ، أوْ أعَمِّ العِلَلِ عَلى تَأْوِيلِ الكَلامِ بِالنَّفْيِ الَّذِي يَنْساقُ إلَيْهِ، أيْ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ ولا تَمْتَنِعُنَّ مِنهُ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ، أوْ لِعِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ إلّا حالَ الإحاطَةِ بِكُمْ، أوْ لِعِلَّةِ الإحاطَةِ بِكُمْ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: أقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَما فَعَلْتَ وإلّا فَعَلْتَ، أيْ: ما أُرِيدُ مِنكَ إلّا فِعْلَكَ. وَقَدْ جُوِّزَ الأوَّلُ بِلا تَأْوِيلٍ أيْضًا، أيْ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ عَلى كُلِّ حالٍ إلّا حالَ الإحاطَةِ بِكُمْ، وأنْتَ تَدْرِي أنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ الإتْيانُ بِهِ مِنَ الأفْعالِ المُمْتَدَّةِ الشّامِلَةِ لِلْأحْوالِ عَلى سَبِيلِ المَعِيَّةِ - كَما في قَوْلِكَ: لَألْزَمَنَّكَ إلّا أنْ تُعْطِيَنِي حَقِّي، ولَمْ يَكُنْ مُرادُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُقارَنَتَهُ عَلى سَبِيلِ البَدَلِ - لَما عَدا الحالَ المُسْتَثْناةَ، كَما إذا قُلْتَ: صَلِّ إلّا أنْ تَكُونَ (p-292)مُحْدِثًا، بَلْ مُجَرَّدُ تَحَقُّقِهِ ووُقُوعِهِ مِن غَيْرِ إخْلالٍ بِهِ، كَما في قَوْلِكَ: لَأحُجَّنَّ العامَ إلّا أنْ أُحْصَرَ، فَإنَّ مُرادَكَ إنَّما هو الإخْبارُ بِعَدَمِ مَنعِ ما سِوى حالِ الإحْصارِ عَنِ الحَجِّ إلّا الإخْبارُ بِمُقارَنَتِهِ لِتِلْكَ الأحْوالِ عَلى سَبِيلِ البَدَلِ، كَما هو مُرادُكَ في مِثالِ الصَّلاةِ، كَأنَّ اعْتِبارَ الأحْوالِ مَعَهُ مِن حَيْثُ عَدَمُ مَنعِها مِنهُ فَآلَ المَعْنى إلى التَّأْوِيلِ المَذْكُورِ. ﴿فَلَمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ﴾ عَهْدَهم مِنَ اللَّهِ حَسْبَما أرادَ يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ﴾ أيْ: عَلى ما قُلْنا في أثْناءِ طَلَبِ المَوْثِقِ وإيتائِهِ مِنَ الجانِبَيْنِ، وإيثارُ صِيغَةِ الِاسْتِقْبالِ لِاسْتِحْضارِ صُورَتِهِ المُؤَدِّي إلى تَثَبُّتِهِمْ ومُحافَظَتِهِمْ عَلى تَذَكُّرِهِ ومُراقَبَتِهِ ﴿وَكِيلٌ﴾ مُطَّلِعٌ رَقِيبٌ، يُرِيدُ بِهِ عَرْضَ ثِقَتِهِ بِاللَّهِ تَعالى، وحَثَّهم عَلى مُراعاةِ مِيثاقِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب