الباحث القرآني

﴿واتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ﴾ يَعْنِي: أنَّهُ إنَّما حازَ هَذِهِ الكِمالاتِ، وفازَ بِتِلْكَ الكَراماتِ؛ بِسَبَبِ أنَّهُ اتَّبَعَ مِلَّةَ آبائِهِ الكِرامِ، ولَمْ يَتَّبِعْ مِلَّةَ قَوْمٍ كَفَرُوا بِالمَبْدَأِ والمَعادِ، وإنَّما قالَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - تَرْغِيبًا لِصاحِبَيْهِ في الإيمانِ والتَّوْحِيدِ، وتَنْفِيرًا لَهُما عَمّا كانا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ والضَّلالِ، وقُدِّمَ ذِكْرُ تَرْكِهِ لِمِلَّتِهِمْ عَلى ذِكْرِ اتِّباعِهِ لِمِلَّةِ آبائِهِ؛ لِأنَّ التَّخْلِيَةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلى التَّحْلِيَةِ. ﴿ما كانَ﴾ أيْ: ما صَحَّ وما اسْتَقامَ - فَضْلًا عَنِ الوُقُوعِ - ﴿لَنا﴾ مَعاشِرَ الأنْبِياءِ؛ لِقُوَّةِ نُفُوسِنا ووُفُورِ عُلُومِنا ﴿أنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ أيَّ شَيْءٍ كانَ مِن مَلَكٍ، أوْ جِنِّيٍّ، أوْ إنْسِيٍّ فَضْلًا عَنِ الجَمادِ البَحْتِ ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: التَّوْحِيدُ المَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (ما كانَ لَنا أنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ) ﴿مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا﴾ أيْ: ناشِئٌ مِن تَأْيِيدِهِ لَنا بِالنُّبُوَّةِ وتَرْشِيحِهِ إيّانا لِقِيادَةِ الأُمَّةِ (p-278)وَهِدايَتِهِمْ إلى الحَقِّ، وذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مِن مُوجِباتِ التَّوْحِيدِ ودَواعِيهِ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ وفَضْلٌ عَظِيمٌ عَلَيْنا بِالذّاتِ ﴿وَعَلى النّاسِ﴾ كافَّةً بِواسِطَتِنا، وحَيْثُ عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِذَلِكَ العُنْوانِ عُبِّرَ عَنِ التَّوْحِيدِ الَّذِي يُوجِبُهُ بِالشُّكْرِ فَقِيلَ: ﴿وَلَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ أيْ: لا يُوَحِّدُونَ، فَإنَّ التَّوْحِيدَ - مَعَ كَوْنِهِ مِن آثارِ ما ذُكِرَ مِنَ التَّأْيِيدِ - شُكْرٌ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - عَلى النِّعْمَةِ، وإنَّما وُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرّاجِعِ إلى النّاسِ لِزِيادَةِ تَوْضِيحٍ وبَيانٍ، ولِقَطْعِ تَوَهُّمِ رُجُوعِهِ إلى المَجْمُوعِ المُوهِمِ لِعَدَمِ اخْتِصاصِ غَيْرِ الشّاكِرِ بِالنّاسِ، وقِيلَ: ذَلِكَ التَّوْحِيدُ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا حَيْثُ نَصَبَ لَنا أدِلَّةً نَنْظُرُ فِيها ونَسْتَدِلُّ بِها عَلى الحَقِّ، وقَدْ نَصَبَ مِثْلَ تِلْكَ الأدِلَّةِ لِسائِرِ النّاسِ أيْضًا، ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَنْظُرُونَ ولا يَسْتَدِلُّونَ بِها اتِّباعًا لِأهْوائِهِمْ، فَيَبْقَوْنَ كافِرِينَ غَيْرَ شاكِرِينَ، ولَكَ أنْ تَقُولَ: ذَلِكَ التَّوْحِيدُ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا، حَيْثُ أعْطانا عُقُولًا ومَشاعِرَ نَسْتَعْمِلُها في دَلائِلِ التَّوْحِيدِ الَّتِي مَهَّدَها في الأنْفُسِ والآفاقِ، وقَدْ أعْطى سائِرَ النّاسِ أيْضًا مِثْلَها، ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَشْكُرُونَ، أيْ: لا يَصْرِفُونَ تِلْكَ القُوى والمَشاعِرَ إلى ما خُلِقَتْ هي لَهُ، ولا يَسْتَعْمِلُونَها فِيما ذُكِرَ مِن أدِلَّةِ التَّوْحِيدِ الآفاقِيَّةِ والأنْفُسِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ والنَّقْلِيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب