الباحث القرآني

وَكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلَهِ النّاسِ﴾ فَإنَّهُ لِبَيانِ أنَّ مِلْكَهُ تَعالى لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الاسْتِيلاءِ عَلَيْهِمْ، والقِيامِ بِتَدْبِيرِ أُمُورِهِمْ وسِياسَتِهِمْ، والتَّوَلِي لِتَرْتِيبِ مَبادِئِ حِفْظِهِمْ وحِمايَتِهِمْ كَما هو قُصارى أمْرِ المُلُوكِ؛ بَلْ هو بِطْرِيقِ المَعْبُودِيَّةِ المُؤَسَّسَةِ عَلى الأُلُوهِيَّةِ المُقْتَضِيَةِ لِلْقُدْرَةِ التّامَّةِ عَلى التَّصَرُّفِ الكُلِّيِّ فِيهِمْ إحْياءً وإماتَةً، وإيجادًا وإعْدامًا، وتَخْصِيصُ الإضافَةِ بِالنّاسِ مَعَ انْتِظامِ جَمِيعِ العالَمِينَ في سِلْكِ رُبُوبِيَّتِهِ تَعالى ومَلَكُوتِيَّتِهِ وأُلُوهِيَّتِهِ؛ لِلْإرْشادِ إلى مَنهَجِ الاسْتِعاذَةِ المَرْضِيَّةِ عِنْدَهُ تَعالى الحَقِيقَةِ بِالإعاذَةِ، فَإنَّ تَوَسُّلَ العائِذِ بِرَبِّهِ، وانْتِسابَهُ إلَيْهِ تَعالى بِالمَرْبُوبِيَّةِ والمَمْلُوكِيَّةِ والعُبُودِيَّةِ في ضِمْنِ جِنْسٍ هو فَرْدٌ مِن أفْرادِهِ، مِن دَواعِي مَزِيدِ الرَّحْمَةِ والرَّأْفَةِ، وأمْرُهُ تَعالى بِذَلِكَ مِن دَلائِلَ الوَعْدِ الكَرِيمِ بِالإعاذَةِ لا مَحالَةَ، ولِأنَّ المُسْتَعاذَ مِن شَرِّ الشَّيْطانِ المَعْرُوفِ بِعَداوَتِهِمْ فَفي التَّنْصِيصِ عَلى انْتِظامِهِمْ في سِلْكِ عُبُودِيَّتِهِ تَعالى ومَلَكُوتِهِ رَمَزَ إلى إنْجائِهِمْ مِن مَلَكَةِ الشَّيْطانِ وتَسَلُّطُهِ عَلَيْهِمْ حَسْبَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾، فَمَن جَعَلَ مَدارَ تَخْصِيصِ الإضافَةِ مُجَرَّدَ كَوْنِ الاسْتِعاذَةِ مِنَ المَضارِّ المُخْتَصَّةِ بِالنُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ فَقَدْ قَصَّرَ في تَوْفِيَةِ المَقامِ حَقَّهُ، وأمّا جَعْلُ المُسْتَعاذِ مِنهُ فِيما سَبَقَ المَضارَّ البَدَنِيَّةِ فَقَدْ عُرِفَتْ حالُهُ، وتَكْرِيرُ المُضافِ إلَيْهِ لِمَزِيدِ الكَشْفِ والتَّقْرِيرِ والتَّشْرِيفِ بِالإضافَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب