الباحث القرآني

﴿وَلَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطًا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: انْطَلَقُوا مِن عِنْدِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلى لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وبَيْنَ القَرْيَتَيْنِ أرْبَعَةُ فَراسِخَ، ودَخَلُوا عَلَيْهِ في صُوَرِ غِلْمانٍ مُرْدٍ حِسانِ الوُجُوهِ فَلِذَلِكَ ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ أيْ: ساءَهُ مَجِيئُهم لِظَنِّهِ أنَّهم أُناسٌ، فَخافَ أنْ يَقْصِدَهم قَوْمُهُ ويَعْجِزَ عَنْ مُدافَعَتِهِمْ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ، وأبُو عَمْرٍو: (وَسِيءَ) و(سِيئَتْ) بِإشْمامِ السِّينِ الضَّمَّ. رُوِيَ أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ لِلْمَلائِكَةِ: (لا تُهْلِكُوهم حَتّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أرْبَعَ شَهاداتٍ) فَلَمّا مَشى مَعَهم مُنْطَلِقًا بِهِمْ إلى مَنزِلِهِ قالَ لَهُمْ: أما بَلَغَكم أمْرُ هَذِهِ القَرْيَةِ، قالُوا: وما أمْرُها، قالَ: أشْهَدُ إنَّها لَشَرُّ قَرْيَةٍ في الأرْضِ عَمَلًا، يَقُولُ ذَلِكَ أرْبَعَ مَرّاتٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنزِلَهُ ولَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أحَدٌ، فَخَرَجَتِ امْرَأتُهُ فَأخْبَرَتْ بِهِ قَوْمَها، وقالَتْ: في بَيْتِ لُوطٍ رِجالًا ما رَأيْتُ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ (p-228)قِطُّ. ﴿وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ أيْ: ضاقَ بِمَكانِهِمْ صَدْرُهُ، أوْ قَلْبُهُ، أوْ وُسْعُهُ وطاقَتُهُ، وهو كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الِانْقِباضِ لِلْعَجْزِ عَنْ مُدافَعَةِ المَكْرُوهِ والِاحْتِيالِ فِيهِ، وقِيلَ: ضاقَتْ نَفْسُهُ عَنْ هَذا الحادِثِ، وذِكْرُ الذَّرْعِ مَثَلٌ، وهو المِساحَةُ، وكَأنَّهُ قَدْرُ البَدَنِ مَجازًا، أيْ: إنَّ بَدَنَهُ ضاقَ قَدْرُهُ مِنِ احْتِمالِ ما وقَعَ، وقِيلَ: الذِّراعُ اسْمٌ لِلْجارِحَةِ مِنَ المِرْفَقِ إلى الأنامِلِ، والذَّرْعُ مَدُّها، ومَعْنى ضِيقِ الذَّرْعِ في قَوْلِهِ تَعالى: "ضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا" قَصْرُها، كَما أنَّ مَعْنى سَعَتِها وبَسْطَتِها طُولُها، ووَجْهُ التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ أنَّ القَصِيرَ الذِّراعِ إذا مَدَّها لِيَتَناوَلَ ما يَتَناوَلُ الطَّوِيلُ الذِّراعِ تَقاصَرَ عَنْهُ، وعَجِزَ عَنْ تَعاطِيهِ، فَضُرِبَ مَثَلًا لِلَّذِي قَصُرَتْ طاقَتُهُ دُونَ بُلُوغِ الأمْرِ ﴿وَقالَ هَذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ شَدِيدٌ، مِن عَصَبَهُ إذا شَدَّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب