الباحث القرآني

﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾ الواوُ ابْتِدائِيَّةٌ، واللّامُ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وحَرْفُهُ الباءُ لا الواوُ، كَما في سُورَةِ الأعْرافِ لِئَلّا يَجْتَمِعَ واوانِ، ولا يَكادُ تُطْلَقُ هَذِهِ اللّامُ إلّا مَعَ قَدْ؛ لِأنَّها مَظِنَّةُ التَّوَقُّعِ، وأنَّ المُخاطَبَ إذا سَمِعَها تَوَقَّعَ وُقُوعَ ما صُدِّرَ بِها، ونُوحٌ هو ابْنُ لَمْكَ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنِ إدْرِيسَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وهو أوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ بَعْدَهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما -: بُعِثَ ﷺ عَلى رَأْسِ أرْبَعِينَ مِن عُمُرِهِ، ولَبِثَ يَدْعُو قَوْمَهُ تِسْعَمِائَةِ وخَمْسِينَ سَنَةً، وعاشَ بَعْدَ الطُّوفانِ سِتِّينَ سَنَةً، وكانَ عُمُرُهُ ألْفًا وخَمْسِينَ سَنَةً. وَقالَ مُقاتِلٌ: بُعِثَ وهو ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ، وقِيلَ: وهو ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً، وقِيلَ: وهو ابْنُ مِائَتَيْنِ وخَمْسِينَ سَنَةً، ومَكَثَ يَدْعُو قَوْمَهُ تِسْعَمِائَةٍ وخَمْسِينَ سَنَةً، وعاشَ بَعْدَ الطُّوفانِ مِائَتَيْنِ وخَمْسِينَ سَنَةً، فَكانَ عُمُرُهُ ألْفًا وأرْبَعَمِائَةٍ وخَمْسِينَ سَنَةً. ﴿إنِّي لَكم نَذِيرٌ﴾ بِالكَسْرِ عَلى إرادَةِ القَوْلِ، أيْ: فَقالَ، أوْ قائِلًا، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ بِالفَتْحِ عَلى إضْمارِ حَرْفِ الجَرِّ، أيْ: أرْسَلْناهُ مُلْتَبِسًا بِذَلِكَ الكَلامِ، وهو إنِّي لَكم نَذِيرٌ بِالكَسْرِ، فَلَمّا اتَّصَلَ بِهِ الجارُّ فُتِحَ كَما فُتِحَ في كَأنَّ، والمَعْنى عَلى الكَسْرِ، وهو قَوْلُكَ: إنَّ زَيْدًا كالأسَدِ، واقْتُصِرَ عَلى ذِكْرِ كَوْنِهِ ﷺ نَذِيرًا، لا لِأنَّ دَعْوَتَهُ ﷺ كانَتْ بِطَرِيقِ الإنْذارِ فَقَطْ، ألا يُرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ ﴿يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا﴾ ... إلَخْ، بَلْ لِأنَّهم لَمْ يَغْتَنِمُوا مَغانِمَ إبْشارِهِ ﷺ ﴿مُبِينٌ﴾ أُبَيِّنُ لَكم مُوجِباتِ العَذابِ، ووَجْهَ الخَلاصِ مِنهُ؛ لِأنَّ الإنْذارَ إعْلامُ المَحْذُورِ لا لِمُجَرَّدِ التَّخْوِيفِ والإزْعاجِ، بَلْ لِلْحَذَرِ مِنهُ فَيَتَعَلَّقُ بِكِلا وصْفَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب