الباحث القرآني

" ألا تَعْبُدُواْ إلّا الله " مَفْعُولٌ لَهُ حُذِفَ عَنْهُ اللّامُ مَعَ فِقْدانِ الشَّرْطِ، أعْنِي كَوْنَهُ فِعْلًا لِفاعِلِ الفِعْلِ المُعَلَّلِ جَرْيًا عَلى سُنَنِ القِياسِ المُطَّرِدِ في حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ مَعَ "أنِ" المَصْدَرِيَّةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ لِئَلّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ، أيْ: لِتَتْرُكُوا عِبادَةَ غَيْرِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وتَتَمَحَّضُوا في عِبادَتِهِ، فَإنَّ الإحْكامَ والتَّفْصِيلَ عَلى ما فُصِّلَ مِنَ المَعانِي مِمّا يَدْعُوهم إلى الإيمانِ والتَّوْحِيدِ، وما يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مِنَ الطّاعاتِ قاطِبَةً، وقِيلَ: "أنْ" مُفَسِّرَةٌ لِما في التَّفْصِيلِ مِن مَعْنى القَوْلِ، أيْ: قِيلَ: لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ. ﴿إنَّنِي لَكم مِنهُ﴾ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى " نَّذِيرٌ " أُنْذِرُكم عَذابَهُ إنْ لَمْ تَتْرُكُوا ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وعِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى ﴿وَبَشِيرٌ﴾ أُبَشِّرُكم بِثَوابِهِ إنْ آمَنتُمْ بِهِ وتَمَحَّضْتُمْ في عِبادَتِهِ، ولَمّا ذُكِرَ شُئُونِ الكِتابِ مِن إحْكامِ آياتِهِ وتَفْصِيلِها، وكَوْنِ ذَلِكَ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى وأُورِدَ مُعْظَمُ ما نُظِمَ في سِلْكِ الغايَةِ، والأمْرِ مِنَ التَّوْحِيدِ وتَرْكِ الإشْراكِ وُسِّطَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَرِينَيْهِ - أعْنِي الِاسْتِغْفارَ والتَّوْبَةَ - ذِكْرُ أنَّ مَن نُزِّلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الكِتابُ مُرْسَلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى لِتَبْلِيغِ أحْكامِهِ وتَرْشِيحِها بِالمُؤَيِّداتِ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ؛ لِلْإيذانِ بِأنَّ التَّوْحِيدَ في أقْصى مَراتِبِ الأهَمِّيَّةِ حَتّى أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ، وأُيِّدَ إيجابُهُ بِالخِطابِ غِبَّ الكِتابِ مَعَ تَلْوِيحٍ بِأنَّهُ كَما لا يَتَحَقَّقُ في نَفْسِهِ إلّا مُقارِنًا لِلْحُكْمِ بِرِسالَتِهِ ﷺ كَذَلِكَ في الذِّكْرِ لا يَنْفَكُّ أحَدُهُما عَنِ الآخَرِ. وَقَدْ رُوعِيَ في سَوْقِ الخِطابِ بِتَقْدِيمِ الإنْذارِ عَلى التَّبْشِيرِ ما رُوعِيَ في الكِتابِ مِن تَقْدِيمِ النَّفْيِ عَلى الإثْباتِ والتَّخْلِيَةِ عَلى التَّحْلِيَةِ؛ لِيَتَجاوَبَ أطْرافُ الكَلامِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ (ألا تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ)﴾ كَلامًا مُنْقَطِعًا عَمّا قَبْلَهُ وارِدًا عَلى لِسانِهِ ﷺ إغْراءً لَهم عَلى اخْتِصاصِهِ تَعالى بِالعِبادَةِ، كَأنَّهُ ﷺ قالَ: "تَرْكُ عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ" أيِ: الزَمُوهُ عَلى مَعْنى: اتْرُكُوا عِبادَةَ غَيْرِ اللَّهِ تَرْكًا مُسْتَمِرًّا، "إنَّنِي لَكُمْ" مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى "نَذِيرٌ وبَشِيرٌ" أيْ: نَذِيرٌ أُنْذِرُكم مِن عِقابِهِ عَلى تَقْدِيرِ اسْتِمْرارِكم عَلى الكُفْرِ، وبَشِيرٌ أُبَشِّرُكم بِثَوابِهِ عَلى تَقْدِيرِ تَرْكِكم لَهُ وتَوْحِيدِكُمْ، ولَمّا سَبَقَ إلَيْهِمْ حَدِيثُ التَّوْحِيدِ، وأُكِّدَ ذَلِكَ بِخِطابِ الرَّسُولِ ﷺ عَلى وجْهِ الإنْذارِ والتَّبْشِيرِ شُرِعَ في ذِكْرِ ما هو مِن تَتْماتِهِ عَلى وجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَفْصِيلَ ما أُجْمِلَ في وصْفِ البَشِيرِ والنَّذِيرِ فَقِيلَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب