الباحث القرآني
﴿خالِدِينَ فِيها﴾ خَلًا أنَّهُ إنْ أُرِيدَ حُدُوثُ كَوْنِهِمْ في النّارِ فالحالُ مُقَدَّرَةٌ ﴿ما دامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ﴾ أيْ: مُدَّةَ دَوامِهِما، وهَذا التَّوْقِيتُ عِبارَةٌ عَنِ التَّأْيِيدِ ونَفْيِ الِانْقِطاعِ بِناءً عَلى مِنهاجِ قَوْلِ العَرَبِ: ما دامَ تُعارُ، وما أقامَ ثَبِيرٌ، وما لاحَ كَوْكَبٌ، وما اخْتَلَفَ اللَّيْلُ والنَّهارُ، وما طَما البَحْرُ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِن كَلِماتِ التَّأْبِيدِ لا تَعْلِيقِ قَرارِهِمْ فِيها بِدَوامِ هَذِهِ السَّماواتِ والأرْضِ، فَإنَّ النُّصُوصَ القاطِعَةَ دالَّةٌ عَلى تَأْبِيدِ قَرارِهِمْ فِيها وانْقِطاعِ دَوامِهِما، وإنْ أُرِيدَ التَّعْلِيقُ فالمُرادُ سَماواتُ الآخِرَةِ وأرْضُها، كَما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ النُّصُوصُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضُ والسَّماواتُ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأوْرَثَنا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ﴾ وجَزْمُ كُلِّ أحَدٍ بِأنَّ أهْلَ الآخِرَةِ (p-242)لا بُدَّ لَهم مِن مِظَلَّةٍ ومِقَلَّةٍ دائِمَتَيْنِ يَكْفِي في تَعْلِيقِ دَوامِ قَرارِهِمْ فِيها بِدَوامِهِما، ولا حاجَةَ إلى الوُقُوفِ عَلى تَفاصِيلِ أحْوالِهِما وكَيْفِيّاتِهِما.
﴿إلا ما شاءَ رَبُّكَ﴾ اسْتِثْناءٌ مِنَ الخُلُودِ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلا المَوْتَةَ الأُولى﴾ وقَوْلِهِ: ﴿وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ إلا ما قَدْ سَلَفَ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ﴾ غَيْرَ أنَّ اسْتِحالَةَ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ مَعْلُومَةٌ بِحُكْمِ العَقْلِ، واسْتِحالَةَ تَعَلُّقِ المَشِيئَةِ بِعَدَمِ الخُلُودِ مَعْلُومَةٌ بِحُكْمِ النَّقْلِ، يَعْنِي أنَّهم مُسْتَقِرُّونَ في النّارِ في جَمِيعِ الأزْمِنَةِ إلّا في زَمانِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى لِعَدَمِ قَرارِهِمْ فِيها، وإذْ لا إمْكانَ لِتِلْكَ المَشِيئَةِ ولا لِزَمانِها بِحُكْمِ النُّصُوصِ القاطِعَةِ المُوجِبَةِ لِلْخُلُودِ فَلا إمْكانَ لِانْتِهاءِ مُدَّةِ قَرارِهِمْ فِيها، ولِدَفْعِ ما عَسى يُتَوَهَّمُ مِن كَوْنِ اسْتِحالَةِ تَعَلُّقِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى بِعَدَمِ الخُلُودِ بِطَرِيقِ الوُجُوبِ عَلى اللَّهِ تَعالى قالَ: ﴿إنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ يَعْنِي أنَّهُ في تَخْلِيدِ الأشْقِياءِ في النّارِ - بِحَيْثُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُ خِلافَةِ - فَعّالٌ بِمُوجِبِ إرادَتِهِ، قاضٍ بِمُقْتَضى مَشِيئَتِهِ الجارِيَةِ عَلى سُنَنِ حِكْمَتِهِ الدّاعِيَةِ إلى تَرْتِيبِ الأجْزِيَةِ عَلى أفْعالِ العِبادِ، والعُدُولُ مِنَ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ، وزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، وقِيلَ: هو اسْتِثْناءٌ مِنَ الخُلُودِ في عَذابِ النّارِ، فَإنَّهم لا يُخَلَّدُونَ فِيهِ، بَلْ يُعَذَّبُونَ بِالزَّمْهَرِيرِ، وبِأنْواعٍ أُخَرَ مِنَ العَذابِ، وبِما هو أغْلَظُ مِنها كُلِّها، وهو سَخَطُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ وخَسْؤُهُ لَهم وإهانَتُهُ إيّاهم.
وَأنْتَ تَدْرِي أنّا - وإنَّ سَلَّمْنا أنَّ المُرادَ بِالنّارِ لَيْسَ مُطْلَقَ دارِ العَذابِ المُشْتَمِلَةِ عَلى أنْواعِ العَذابِ، بَلْ نَفْسَ النّارِ - فَما خَلا عَذابَ الزَّمْهَرِيرِ مِن تِلْكَ الأنْواعِ مُقارِنٌ لِعَذابِ النّارِ، فَلا مِصْداقَ في ذَلِكَ لِلِاسْتِثْناءِ، ولَكَ أنْ تَقُولَ: إنَّهم لَيْسُوا بِمُخَلَّدِينَ في العَذابِ الجُسْمانِيِّ الَّذِي هو عَذابُ النّارِ، بَلْ لَهم مِن أفانِينِ العَذابِ ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ سُبْحانَهُ، وهي العُقُوباتُ والآلامُ الرُّوحانِيَّةُ الَّتِي لا يَقِفُ عَلَيْها في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا المُنْغَمِسُونَ في أحْكامِ الطَّبِيعَةِ، المَقْصُورُ إدْراكُهم عَلى ما ألِفُوا مِنَ الأحْوالِ الجُسْمانِيَّةِ، ولَيْسَ لَهُمُ اسْتِعْدادٌ لِتَلَقِّي ما وراءَ ذَلِكَ مِنَ الأحْوالِ الرُّوحانِيَّةِ إذا أُلْقِيَ إلَيْهِمْ، ولِذَلِكَ لَمْ يُتَعَرَّضْ لِبَيانِهِ، واكْتُفِيَ بِهَذِهِ المَرْتَبَةِ الإجْمالِيَّةِ المُنْبِئَةِ عَنِ التَّهْوِيلِ، وهَذِهِ العُقُوباتُ - وإنْ كانَ تَعْتَرِيهِمْ وهم في النّارِ - لَكِنَّهم يَنْسَوْنَ بِها عَذابَ النّارِ، ولا يُحِسُّونَ بِهِ، وهَذِهِ المَرْتَبَةُ كافِيَةٌ في تَحْقِيقِ مَعْنى الِاسْتِثْناءِ هَذا، وقَدْ قِيلَ: (إلّا) بِمَعْنى (سِوى) وهو أوْفَقُ بِما ذُكِرَ، وقِيلَ: "ما" بِمَعْنى (مَن) عَلى إرادَةِ مَعْنى الوَصْفِيَّةِ، فالمَعْنى: إنَّ الَّذِينَ شَقُوا في النّارِ مُقَدَّرِينَ الخُلُودَ فِيها إلّا الَّذِينَ شاءَ اللَّهُ عَدَمَ خُلُودِهِمْ فِيها وهم عُصاةُ المُؤْمِنِينَ.
{"ayah":"خَـٰلِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَاۤءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالࣱ لِّمَا یُرِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق