الباحث القرآني

﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن في الأرْضِ﴾ تَحْقِيقٌ لِدَوَرانِ إيمانِ كافَّةِ المُكَلَّفِينَ وُجُودًا وعَدَمًا عَلى قُطْبِ مَشِيئَتِهِ تَعالى مُطْلَقًا، إثْرَ بَيانِ تَبَعِيَّةِ كُفْرِ الكَفَرَةِ لِكَلِمَتِهِ، ومَفْعُولُ المَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ لِوُجُودِ ما يَقْتَضِيهِ مِن وُقُوعِها شَرْطًا، وكَوْنِ مَفْعُولِها مَضْمُونَ الجَزاءِ، وأنْ لا يَكُونَ في تَعَلُّقِها بِهِ غَرابَةٌ كَما هو المَشْهُورُ، أيْ: لَوْ شاءَ سُبْحانَهُ إيمانَ مَن في الأرْضِ مِنَ الثَّقَلَيْنِ لَآمَنَ كُلُّهم بِحَيْثُ لا يَشِذُّ عَنْهم أحَدٌ "جَمِيعًا" مُجْتَمِعِينَ عَلى الإيمانِ لا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، لَكِنَّهُ لا يَشاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُخالِفًا لِلْحِكْمَةِ الَّتِي عَلَيْها بُنِيَ أساسُ التَّكْوِينِ والتَّشْرِيعِ، وفِيهِ دِلالَةٌ عَلى أنَّ مَن شاءَ اللَّهُ تَعالى إيمانَهُ يُؤْمِنُ لا مَحالَةَ. ﴿أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ﴾ عَلى ما لَمْ يَشَأِ اللَّهُ مِنهم حَسْبَما يُنْبِئُ عَنْهُ حَرْفُ الِامْتِناعِ في الشَّرْطِيَّةِ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الكَلامُ، كَأنَّهُ قِيلَ: أرَبُّكَ لا يَشاءُ ذَلِكَ فَأنْتَ تُكْرِهُهم ﴿حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ فَيَكُونُ الإنْكارُ مُتَوَجِّهًا إلى تَرْتِيبِ الإكْراهِ المَذْكُورِ عَلى عَدَمِ مَشِيئَتِهِ تَعالى، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الفاءُ لِتَرْتِيبِ الإنْكارِ عَلى عَدَمِ مَشِيئَتِهِ تَعالى بِناءً عَلى أنَّ الهَمْزَةَ مُتَأخِّرَةٌ في الِاعْتِبارِ، وإنَّما قُدِّمَتْ لِاقْتِضائِها الصَّدارَةَ، كَما هو رَأْيُ الجُمْهُورِ، وأيًّا ما كانَ فالمَشِيئَةُ عَلى إطْلاقِها إذْ لا فائِدَةَ، بَلْ لا وجْهَ لِاعْتِبارِ عَدَمِ مَشِيئَةِ الإلْجاءِ خاصَّةً في إنْكارِ التَّرْتِيبِ عَلَيْهِ، أوْ تَرْتِيبِ الإنْكارِ عَلَيْهِ، وفي إيلاءِ الِاسْمِ حَرْفَ الِاسْتِفْهامِ إيذانٌ بِأنَّ الإكْراهَ أمْرٌ مُمْكِنٌ، لَكِنَّ الشَّأْنَ في المُكْرَهِ مَن هُوَ، وما هو إلّا هو وحْدَهُ لا يُشارَكُ فِيهِ؛ لِأنَّهُ القادِرُ عَلى أنْ يَفْعَلَ في قُلُوبِهِمْ ما يَضْطَرُّهم إلى الإيمانِ، وذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَطاعٍ لِلْبَشَرِ، وفِيهِ إيذانٌ بِاعْتِبارِ الإلْجاءِ في المَشِيئَةِ، كَما أُشِيرَ إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب