الباحث القرآني

﴿ألا إنَّ لِلَّهِ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ﴾ أيِ: العُقَلاءُ مِنَ المَلائِكَةِ والثَّقَلَيْنِ، وتَخْصِيصُهم بِالذِّكْرِ لِلْإيذانِ بِعَدَمِ الحاجَةِ إلى التَّصْرِيحِ بِغَيْرِهِمْ، فَإنَّهم مَعَ شَرَفِهِمْ وعُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ إذا كانُوا عَبِيدًا لَهُ سُبْحانَهُ مَقْهُورِينَ تَحْتَ قَهْرِهِ ومَلَكَتِهِ فَما عَداهم مِنَ المَوْجُوداتِ أوْلى بِذَلِكَ، وهو مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ لِما سَبَقَ مِنِ اخْتِصاصِ العِزَّةِ بِاللَّهِ تَعالى المُوجِبِ لِسَلْوَتِهِ ﷺ وعَدَمِ مُبالاتِهِ بِالمُشْرِكِينَ وبِمَقالاتِهِمْ تَمْهِيدٌ لِما لَحِقَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ﴾ وبُرْهانٌ عَلى بُطْلانِ (p-162)ظُنُونِهِمْ وأعْمالِهِمُ المَبْنِيَّةِ عَلَيْها، و"ما" إمّا نافِيَةٌ، و(شُرَكاءَ) مَفْعُولُ "يَتَّبِعُ" ومَفْعُولُ "يَدْعُونَ" مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ، أيْ: ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ في الحَقِيقَةِ، وإنْ سَمَّوْها شُرَكاءَ فاقْتُصِرَ عَلى أحَدِهِما لِظُهُورِ دَلالَتِهِ عَلى الآخَرِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَذْكُورُ مَفْعُولَ "يَدْعُونَ" ويَكُونَ مَفْعُولُ "يَتَّبِعُ" مَحْذُوفًا لِانْفِهامِهِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ﴾ أيْ: ما يَتَّبِعُونَ يَقِينًا، إنَّما يَتَّبِعُونَ ظَنَّهُمُ الباطِلَ، وإمّا مَوْصُولَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى "مِن" كَأنَّهُ قِيلَ: ولِلَّهِ ما يَتَّبِعُهُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ، أيْ: ولَهُ شُرَكاؤُهم. وَتَخْصِيصُهم بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمْ فِيما سَبَقَ عِبارَةٌ أوْ دَلالَةٌ لِلْمُبالَغَةِ في بَيانِ بُطْلانِ اتِّباعِهِمْ، وفَسادِ ما بَنَوْهُ عَلَيْهِ مِن ظَنِّهِمْ شُرَكاءَهم مَعْبُودِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ عَبِيدًا لَهُ سُبْحانَهُ، وإمّا اسْتِفْهامِيَّةٌ، أيْ: وأيُّ شَيْءٍ يَتَّبِعُونَ، أيْ: لا يَتَّبِعُونَ شَيْئًا ما يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ والحالَ الباطِلَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إلا أسْماءً سَمَّيْتُمُوها﴾ ... إلَخْ. وَقُرِئَ (تَدْعُونَ) بِالتّاءِ فالِاسْتِفْهامُ لِلتَّبْكِيتِ والتَّوْبِيخِ، كَأنَّهُ قِيلَ: وأيُّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ الَّذِينَ تَدْعُونَهم شُرَكاءَ مِنَ المَلائِكَةِ والنَّبِيِّينَ، تَقْرِيرًا لِكَوْنِهِمْ مُتَّبِعِينَ لِلَّهِ تَعالى مُطِيعِينَ لَهُ، وتَوْبِيخًا لَهم عَلى عَدَمِ اقْتِدائِهِمْ بِهِمْ في ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ﴾ ثُمَّ صُرِفَ الكَلامُ عَنِ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ، فَقِيلَ: إنْ يَتَّبِعُ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ إلّا الظَّنَّ ولا يَتَّبِعُونَ ما يَتَّبِعُهُ المَلائِكَةُ والنَّبِيُّونَ مِنَ الحَقِّ ﴿وَإنْ هم إلا يَخْرُصُونَ﴾ يَكْذِبُونَ فِيما يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ ويَحْزِرُونَ ويُقَدِّرُونَ أنَّهم شُرَكاءُ تَقْدِيرًا باطِلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب