الباحث القرآني

﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ﴾ إنْكارٌ لِإيمانِهِمْ بِنُزُولِ العَذابِ بَعْدَ وُقُوعِهِ حَقِيقَةً، داخِلٌ مَعَ ما قَبْلَهُ مِن إنْكارِ اسْتِعْجالِهِمْ بِهِ بَعْدَ إتْيانِهِ حُكْمًا تَحْتَ القَوْلِ المَأْمُورِ بِهِ، أيْ: أبَعْدَ ما وقَعَ العَذابُ وحَلَّ بِكم حَقِيقَةً آمَنتُمْ بِهِ حِينَ لا يَنْفَعُكُمُ الإيمانُ؛ إنْكارًا لِتَأْخِيرِهِ إلى هَذا الحَدِّ، وإيذانًا بِاسْتِتْباعِهِ لِلنَّدَمِ والحَسْرَةِ لِيُقْلِعُوا عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ العِنادِ، ويَتَوَجَّهُوا نَحْوَ التَّدارُكِ قَبْلَ فَوْتِ الوَقْتِ، فَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلْقَصْرِ، وقِيلَ: (ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنهُ) مُتَعَلِّقٌ بِـ(أرَأيْتُمْ) وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، أيْ: تَنْدَمُوا عَلى الِاسْتِعْجالِ، أوْ تَعْرِفُوا خَطَأهُ، والشَّرْطِيَّةُ اعْتِراضٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ الِاسْتِخْبارِ. وَقِيلَ: الجَوابُ قَوْلُهُ تَعالى: "أثُمَّ إذا ما وقَعَ" ... إلَخْ، والِاسْتِفْهامِيَّةُ الأُولى اعْتِراضٌ، والمَعْنى: أخْبِرُونِي إنْ أتاكم عَذابُهُ آمَنتُمْ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ حِينَ لا يَنْفَعُكُمُ الإيمانُ، ثُمَّ جِيءَ بِكَلِمَةِ التَّراخِي دَلالَةً عَلى الِاسْتِبْعادِ، ثُمَّ زِيدَ أداةُ الشَّرْطِ دَلالَةً عَلى اسْتِقْلالِهِ بِالِاسْتِبْعادِ، عَلى أنَّ الأوَّلَ كالتَّمْهِيدِ لَهُ، وجِيءَ بِـ(إذا) مُؤَكَّدًا بِـ(ما) تَرْشِيحًا لِمَعْنى الوُقُوعِ وزِيادَةً لِلتَّجْهِيلِ، وأنَّهم لَمْ يُؤْمِنُوا إلّا بَعْدَ أنْ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الإيمانُ البَتَّةَ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿آلْآنَ﴾ اسْتِئْنافٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى غَيْرُ داخِلٍ تَحْتَ القَوْلِ المُلَقَّنِ، مَسُوقٌ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ ما سَبَقَ عَلى إرادَةِ القَوْلِ، أيْ قِيلَ لَهم عِنْدَ إيمانِهِمْ بَعْدَ وُقُوعِ العَذابِ: آلْآنَ آمَنتُمْ بِهِ إنْكارًا لِلتَّأْخِيرِ وتَوْبِيخًا عَلَيْهِ بِبَيانِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ سَبْقِ الإنْذارِ بِهِ، ولا لِلتَّأمُّلِ والتَّدَبُّرِ في شَأْنِهِ ولا لِشَيْءٍ آخَرَ - مِمّا عَسى يُعَدُّ عُذْرًا في التَّأْخِيرِ - بَلْ كانَ ذَلِكَ عَلى طَرِيقِ التَّكْذِيبِ والِاسْتِعْجالِ بِهِ عَلى وجْهِ الِاسْتِهْزاءِ، وقُرِئَ (آلّانَ) بِحَذْفِ الهَمْزَةِ، وإلْقاءِ حَرَكَتِها عَلى اللّامِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أيْ: تَكْذِيبًا واسْتِهْزاءً جُمْلَةٌ وقَعَتْ حالًا مِن فاعِلِ (آمَنتُمْ) المُقَدَّرِ لِتَشْدِيدِ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ، وزِيادَةِ التَّنْدِيمِ والتَّحْسِيرِ، وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى الفِعْلِ لِمُراعاةِ الفَواصِلِ دُونَ القَصْرِ. وَقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب