الباحث القرآني
﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكُمْ﴾ احْتِجاجٌ آخَرُ عَلى ما ذُكِرَ جِيءَ بِهِ إلْزامًا لَهم غِبَّ إلْزامٍ وإفْحامًا إثْرَ إفْحامٍ، وفَصْلُهُ عَمّا قَبْلَهُ لِما ذُكِرَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى اسْتِقْلالِهِ ﴿مَن يَهْدِي إلى الحَقِّ﴾ أيْ: بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، فَإنَّ أدْنى مَراتِبِ المَعْبُودِيَّةِ هِدايَةُ المَعْبُودِ لِعَبَدَتِهِ إلى ما فِيهِ صَلاحُ أمْرِهِمْ، وأمّا تَعْيِينُ طَرِيقِ الهِدايَةِ وتَخْصِيصُهُ بِنَصْبِ الحُجَجِ وإرْسالِ الرُّسُلِ والتَّوْفِيقِ لِلنَّظَرِ والتَّدَبُّرِ - كَما قِيلَ - فَمُخِلٌّ بِما يَقْتَضِيهِ المَقامُ مِن كَمالِ التَّبْكِيتِ والإلْزامِ، فَإنَّ العَجْزَ عَنِ الهِدايَةِ عَلى وجْهٍ خاصٍّ لا يَسْتَلْزِمُ العَجْزَ عَنْ مُطْلَقِ الهِدايَةِ، وهَدى كَما يُسْتَعْمَلُ بِكَلِمَةِ (إلى) لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الِانْتِهاءِ يُسْتَعْمَلُ بِاللّامِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ المُنْتَهى غايَةُ الهِدايَةِ، وأنَّها لَمْ تَتَوَجَّهْ نَحْوَهُ عَلى سَبِيلِ الِاتِّفاقِ، ولِذَلِكَ اسْتُعْمِلَ بِها ما أُسْنِدَ إلى اللَّهِ تَعالى، حَيْثُ قِيلَ: ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ أيْ: هو يَهْدِي لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وذَلِكَ بِما ذُكِرَ مِن نَصْبِ الأدِلَّةِ والحُجَجِ وإرْسالِ الرُّسُلِ وإنْزالِ الكُتُبِ والتَّوْفِيقِ لِلنَّظَرِ والتَّدَبُّرِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن فُنُونِ الهِداياتِ، والكَلامُ في الأمْرِ بِالسُّؤالِ والجَوابِ كَما مَرَّ فِيما مَرَّ.
﴿أفَمَن يَهْدِي إلى الحَقِّ﴾ وهو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي﴾ بِكَسْرِ الهاءِ، أصْلُهُ يَهْتَدِي فَأُدْغِمَ، وكُسِرَتِ الهاءُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وقُرِئَ بِكَسْرِ الياءِ إتْباعًا لَها لِحَرَكَةِ الهاءِ، وقُرِئَ بِفَتْحِ الهاءِ نَقْلًا لِحَرَكَةِ التّاءِ إلَيْها، أيْ: لا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ هِدايَةِ غَيْرِهِ، وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ ما لا يَخْفى، وإنَّما نُفِيَ عَنْهُ الِاهْتِداءُ - مَعَ أنَّ المَفْهُومَ مِمّا سَبَقَ نَفْيُ الهِدايَةِ - لِما أنَّ نَفْيَها مُسْتَتْبِعٌ لِنَفْيِهِ غالِبًا، فَإنَّ مَنِ اهْتَدى إلى الحَقِّ (p-144)لا يَخْلُو عَنْ هِدايَةِ غَيْرِهِ في الجُمْلَةِ، وأدْناها كَوْنُهُ قُدْوَةً لَهُ بِأنْ يَراهُ فَيَسْلُكَ مَسْلَكَهُ مِن حَيْثُ لا يَدْرِي، والفاءُ لِتَرْتِيبِ الِاسْتِفْهامِ عَلى ما سَبَقَ مِن تَحَقُّقِ هِدايَتِهِ تَعالى صَرِيحًا، وعَدَمِ هِدايَةِ شُرَكائِهِمُ المَفْهُومِ مِنَ القَصْرِ ومِن عَدَمِ الجَوابِ المُنْبِئِ عَنِ الجَوابِ بِالعَدَمِ، فَإنَّ ذَلِكَ مِمّا يَضْطَرُّهم إلى الجَوابِ الحَقِّ لا لِتَوْجِيهِ الِاسْتِفْهامِ إلى التَّرْتِيبِ كَما يَقَعُ في بَعْضِ المَواقِعِ، فَإنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالإنْكارِيِّ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ﴾ ... إلَخْ، ونَحْوِهِ، والهَمْزَةُ مُتَأخِّرَةٌ في الِاعْتِبارِ وإنَّما تَقْدِيمُها في الذِّكْرِ لِإظْهارِ عَراقَتِها في اقْتِضاءِ الصَّدارَةِ - كَما هو رَأْيُ الجُمْهُورِ - حَتّى لَوْ كانَ السُّؤالُ بِكَلِمَةِ (أيْ) لَأُخِّرَتْ حَتْمًا، ألا يُرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأيُّ الفَرِيقَيْنِ أحَقُّ بِالأمْنِ﴾ إثْرَ تَقْدِيرِ ما يُلْجِئُ المُشْرِكِينَ إلى الجَوابِ مِن حالِهِمْ وحالِ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ.
وَقُرِئَ (لا يَهْدِي) بِمَعْنى لا يَهْتَدِي لِمَجِيئِهِ لازِمًا، أوْ لا يَهْدِي غَيْرَهُ، وصِيغَةُ التَّفْضِيلِ إمّا عَلى حَقِيقَتِها والمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ - كَما اخْتارَهُ مَكِّيٌّ - والتَّقْدِيرُ: أفَمَن يَهْدِي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ مِمَّنْ لا يَهْدِي أمْ مَن لا يَهْدِي أحَقُّ... إلَخْ، وإمّا بِمَعْنى حَقِيقٍ - كَما اخْتارَهُ أبُو حَيّانِ - وأيًّا ما كانَ فالِاسْتِفْهامُ لِلْإلْزامِ و(أنْ يُتَّبَعَ) في حَيِّزِ النَّصْبِ أوِ الجَرِّ بَعْدَ حَذْفِ الجارِّ عَلى الخِلافِ المَعْرُوفِ، أيْ: بِأنْ يُتَّبَعَ.
﴿إلا أنْ يُهْدى﴾ اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ أيْ: لا يَهْتَدِي أوْ لا يَهْدِي غَيْرَهُ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا حالَ هِدايَتِهِ تَعالى لَهُ إلى الِاهْتِداءِ، أوْ إلى هِدايَةِ الغَيْرِ، وهَذا حالُ إشْرافِ شُرَكائِهِمْ مِنَ المَلائِكَةِ، والمَسِيحِ، وعُزَيْرٍ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وقِيلَ: المَعْنى: أمْ مَن لا يَهْتَدِي مِنَ الأوْثانِ إلى مَكانٍ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلّا أنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ، أوْ إلّا أنْ يَنْقُلَهُ اللَّهُ تَعالى مِن حالِهِ إلى أنْ يَجْعَلَهُ حَيَوانًا مُكَلَّفًا فَيَهْدِيَهُ، وقُرِئَ (إلّا أنْ يَهْدِيَ) مِنَ التَّفْعِيلِ لِلْمُبالَغَةِ.
﴿فَما لَكُمْ﴾ أيْ: أيُّ شَيْءٍ لَكم في اتِّخاذِكم هَؤُلاءِ شُرَكاءَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، والِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ التَّوْبِيخِيِّ، وفِيهِ تَعْجِيبٌ مِن حالِهِمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ - أيْ: بِما يَقْضِي صَرِيحُ العَقْلِ بِبُطْلانِهِ - إنْكارٌ لِحُكْمِهِمُ الباطِلِ، وتَعَجُّبٌ مِنهُ، وتَشْنِيعٌ لَهم بِذَلِكَ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ كِلا الإنْكارَيْنِ عَلى ما ظَهَرَ مِن وُجُوبِ اتِّباعِ الهادِي إلى الحَقِّ، إنْ قُلْتَ: التَّبْكِيتُ بِالِاسْتِفْهامِ السّابِقِ إنَّما يَظْهَرُ في حَقِّ مَن يَعْكِسُ جَوابَهُ الصَّحِيحَ فَيَحْكُمُ بِأحَقِّيَّةِ مَن لا يَهْدِي بِالِاتِّباعِ دُونَ مَن يَهْدِي - وهم لَيْسُوا حاكِمِينَ بِأحَقِّيَّةِ شُرَكائِهِمْ لِذَلِكَ دُونَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، بَلْ بِاسْتِحْقاقِهِما جَمِيعًا مَعَ رُجْحانِ جانِبِهِ تَعالى حَيْثُ يَقُولُونَ: "هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ" – قُلْتُ: حُكْمُهم بِاسْتِحْقاقِهِ تَعالى لِلِاتِّباعِ بِطَرِيقِ الِاشْتِراكِ حُكْمٌ مِنهم بِعَدَمِ اسْتِحْقاقِهِ تَعالى لِذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلالِ، فَصارُوا حاكِمِينَ بِاسْتِحْقاقِ شُرَكائِهِمْ لَهُ دُونَ اللَّهِ تَعالى مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ.
{"ayah":"قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ یَهۡدِی لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لَّا یَهِدِّیۤ إِلَّاۤ أَن یُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











