الباحث القرآني
﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ جِنايَةٍ أُخْرى لَهم مَبْنِيَّةٍ عَلى ما مَرَّ آنِفًا مِنِ اخْتِلافِ حالِهِمْ حَسَبَ اخْتِلافِ ما يَعْتَرِيهِمْ مِنَ السَّرّاءِ والضَّرّاءِ، أيْ: يُمَكِّنُكم مِنَ السَّيْرِ تَمْكِينًا مُسْتَمِرًا عِنْدَ المُلابَسَةِ بِهِ وقَبْلَها ﴿فِي البَرِّ﴾ مُشاةً ورُكْبانًا، وقُرِئَ: (يَنْشُرُكُمْ) مِنَ النَّشْرِ، ومِنهُ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: (بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ).
﴿والبَحْرِ حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ﴾ أيِ: السُّفُنِ، فَإنَّهُ جَمْعُ فَلَكٍ عَلى زِنَةِ أُسْدِ جَمْعِ أسَدٍ لا عَلى وزْنِ قُفْلٍ، وغايَةُ التَّسْيِيرِ لَيْسَتِ ابْتِداءَ رُكُوبِهِمْ فِيها، بَلْ مَضْمُونُ الشَّرْطِيَّةِ بِتَمامِهِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ إيثارُ الكَوْنِ المُؤْذِنِ بِالدَّوامِ عَلى الرُّكُوبِ المُشْعِرِ بِالحُدُوثِ ﴿وَجَرَيْنَ﴾ أيِ: السُّفُنُ ﴿بِهِمْ﴾ بِالَّذِينَ فِيها، والِالتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ لِلْإيذانِ بِما لَهم مِن سُوءِ الحالِ المُوجِبِ لِلْإعْراضِ عَنْهُمْ، كَأنَّهُ يَذْكُرُ لِغَيْرِهِمْ مَساوِئَ أحْوالِهِمْ لِيُعَجِّبَهم مِنها ويَسْتَدْعِيَ مِنهُ الإنْكارَ والتَّقْبِيحَ، وقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ التِفاتٌ، بَلْ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ﴾ إذا كانَ بَعْضُكم فِيها؛ إذِ الخِطابُ لِلْكُلِّ ومِنهُمُ المُسَيَّرُونَ في البَرِّ، فالضَّمِيرُ الغائِبُ عائِدٌ إلى ذَلِكَ المُضافِ المُقَدَّرِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ﴾، أيْ: أوْ كَذِي ظُلُماتٍ (يَغْشاهُ مَوْجٌ).
﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ لَيِّنَةِ الهُبُوبِ مُوافِقَةٍ لِمَقْصِدِهِمْ ﴿وَفَرِحُوا بِها﴾ بِتِلْكَ الرِّيحِ لِطِيبِها ومُوافَقَتِها ﴿جاءَتْها﴾ جَوابُ (إذا) والضَّمِيرُ المَنصُوبُ لِلرِّيحِ الطَّيِّبَةِ، أيْ: تَلَقَّتْها واسْتَوْلَتْ عَلَيْها مِن طَرَفٍ مُخالِفٍ لَها، فَإنَّ الهُبُوبَ عَلى وفْقِها لا يُسَمّى مَجِيئًا لِرِيحٍ أُخْرى عادَةً، بَلْ هو اشْتِدادٌ لِلرِّيحِ الأُولى، وقِيلَ: لِلْفُلْكِ، والأوَّلُ أظْهَرُ لِاسْتِلْزامِهِ لِلثّانِي مِن غَيْرِ عَكْسٍ؛ لِأنَّ الهُبُوبَ عَلى طَرِيقَةِ الرِّيحِ اللَّيِّنَةِ يُعَدُّ مَجِيئًا بِالنِّسْبَةِ إلى الفُلْكِ دُونَ الرِّيحِ اللَّيِّنَةِ مَعَ أنَّهُ لا يَسْتَتْبِعُ تَلاطُمَ الأمْواجِ المُوجِبِ لِمَجِيئِها مِن كُلِّ مَكانٍ؛ ولِأنَّ التَّهْوِيلَ في بَيانِ اسْتِيلائِها عَلى ما فَرِحُوا بِهِ وعَلَّقُوا بِهِ حِبالَ رَجائِهِمْ أكْثَرُ.
﴿رِيحٌ عاصِفٌ﴾ أيْ: ذاتُ عَصْفٍ وقِيلَ: العُصُوفُ مُخْتَصٌّ بِالرِّيحِ فَلا حاجَةَ إلى الفارِقِ، وقِيلَ: الرِّيحُ قَدْ يُذَكَّرُ ﴿وَجاءَهُمُ المَوْجُ﴾ في الفُلْكِ ﴿مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ أيْ: مِن أمْكِنَةِ مَجِيءِ المَوْجِ عادَةً، ولا بُعْدَ في مَجِيئِهِ مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ أيْضًا، إذْ لا يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَجِيئُهُ مِن جِهَةِ هُبُوبِ الرِّيحِ فَقَطْ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مِن غَيْرِها بِحَسَبِ أسْبابٍ تَتَّفِقُ لَهُ ﴿وَظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ﴾ أيْ: هَلَكُوا، فَإنَّ ذَلِكَ مَثَلٌ في الهَلاكِ، أصْلُهُ إحاطَةُ العَدُوِّ بِالحَيِّ، أوْ سُدَّتْ عَلَيْهِمْ مَسالِكُ الخَلاصِ ﴿دَعَوُا اللَّهَ﴾ بَدَلٌ مَن (ظَنُّوا) بَدَلَ اشْتِمالٍ لِما بَيْنَهُما مِنَ المُلابَسَةِ والتَّلازُمِ، أوِ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الأذْهانُ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا صَنَعُوا؟ فَقِيلَ: (دَعَوُا اللَّهَ) ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ مِن غَيْرِ أنْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِن آلِهَتِهِمْ لا مُخَصَّصِينَ لِلدُّعاءِ بِهِ تَعالى فَقَطْ، بَلْ لِلْعِبادَةِ أيْضًا، فَإنَّهم بِمُجَرَّدِ تَخْصِيصِ الدُّعاءِ بِهِ تَعالى لا يَكُونُونَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
﴿لَئِنْ أنْجَيْتَنا﴾ اللّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ عَلى إرادَةِ القَوْلِ، أيْ: قائِلِينَ: واللَّهِ لَئِنْ أنْجَيْتَنا ﴿مِن هَذِهِ﴾ الوَرْطَةِ ﴿لَنَكُونَنَّ﴾ البَتَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ أبَدًا ﴿مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ لِنِعَمِكَ الَّتِي مِن جُمْلَتِها هَذِهِ النِّعْمَةُ المَسْؤُولَةُ، وقِيلَ: الجُمْلَةُ مَفْعُولُ (دَعَوُا) لِأنَّ الدُّعاءَ مِن قَبِيلِ القَوْلِ، والأوَّلُ هو (p-135)الأوْلى لِاسْتِدْعاءِ الثّانِي لِاقْتِصارِ دُعائِهِمْ عَلى ذَلِكَ فَقَطْ، وفي قَوْلِهِ: "لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ" مِنَ المُبالَغَةِ في الدَّلالَةِ عَلى كَوْنِهِمْ ثابِتِينَ في الشُّكْرِ، مُثابِرِينَ عَلَيْهِ، مُنْتَظِمِينَ في سِلْكِ المَنعُوتِينَ بِالشُّكْرِ الرّاسِخِينَ فِيهِ - ما لَيْسَ في أنْ يُقالَ: (لَنَشْكُرَنَّ).
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُسَیِّرُكُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا كُنتُمۡ فِی ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَیۡنَ بِهِم بِرِیحࣲ طَیِّبَةࣲ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَاۤءَتۡهَا رِیحٌ عَاصِفࣱ وَجَاۤءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ أُحِیطَ بِهِمۡ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ لَىِٕنۡ أَنجَیۡتَنَا مِنۡ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











